إهمال أميركيّ لليبيا: لا شركاء لـ"محاربة الإرهاب"

إهمال أميركيّ لليبيا: لا شركاء لـ"محاربة الإرهاب"

09 سبتمبر 2014
النظرة للمنطقة من زاوية مكافحة الإرهاب (سول لوب/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

يقع الليبيون أو المتابعون للشأن الليبي في خطأ غير مقصود عندما يحاولون تحليل سياسة الإدارة الأميركية الحالية تجاه ليبيا بمعزل عن محاولة فهم السياسة الأميركية تجاه منطقة كاملة ليست ليبيا فيها سوى دولة ضمن عدة دول تؤرق أحداثها راحة صانع القرار الأميركي وتستهلك جزءاً كبيراً من تفكيره ووقته. هكذا يمكن فهم لماذا لم يرد في المقابلة التلفزيونية التي أجراها برنامج "Meet the Press" في محطة "إن بي سي نيوز" الأميركية مطلع الأسبوع مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، ذكر ليبيا ولا مرّة واحدة حتى، لا في سيّاق الأسئلة ولا في سيّاق الإجابة، في حين تكرر ذكر سورية 16 مرّة والعراق 13 مرّة خلال نصف ساعة من حوار كان مُكرساً في الأساس لقضايا أميركية داخلية.

هذا لا يعني أن سورية أهم من العراق، أو أن العراق أهم من ليبيا في نظر صانع القرار الأميركي، وإنما يعني أن الرئيس الأميركي ينظر إلى المنطقة العربية كوحدة جغرافية واسعة تُصدّر من بعض أجزائها البترول ومن أجزاء أخرى "الإرهاب". ويعتري أصحاب القرار والمواطنون العاديون في أميركا خوفاً رهيباً من إيقاف تدفق المنتج النفطي الأوّل، بالقدر ذاته الذي يعتريهم تزايد تدفق المنتج الثاني كخطر محدق بالأمن الأميركي. ويتحتم على صانع القرار أن يرتب أولوياته بدءاً بالخطر الداهم ثم الخطر الأقل درجة وهكذا.

وقد أوضح أوباما أن صانع القرار الأميركي ينظر إلى المنطقة ككل من زاوية واحدة رئيسة تحمل عنوان "مكافحة الإرهاب"، إذ قال في أحد خطاباته إن "التهديد الأكثر مباشرة لأميركا في الداخل والخارج لا يزال هو الإرهاب. ولكن الاستراتيجية التي تنطوي على غزو كل دولة تأوي شبكات إرهابية هي استراتيجية ساذجة ويجب أن نحوّل استراتيجيتنا لمكافحة الإرهاب إلى شراكة أكثر فعالية مع البلدان التي تسعى الشبكات الإرهابية إلى الحصول على موطئ قدم فيها".

غياب الشركاء في ليبيا

ومما يؤكد فعلاً أن السياسة الأميركية الراهنة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب تعتمد بشكل كبير على الشركاء أو المحاربين بالوكالة من أنظمة متعاونة وغيرها، ما ورد في بيان حقائق عن مكافحة الإرهاب في أفريقيا أصدره البيت الأبيض الشهر الماضي، على هامش القمة الأفريقية ــ الأميركية وجاء فيه: "ما زلنا نوفر مساعدات ومشورات أمنية لمكافحة الإرهاب لشركائنا في شمال أفريقيا لوقف تنامي جماعات متطرفة مثل أنصار الشريعة في تونس وأنصار الشريعة في بنغازي وأنصار الشريعة في درنة (ليبيا). ومن خلال شراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء نعمل مع حكومة تونس لبناء طاقاتها وقدراتها لمجابهة التهديدات الإرهابية".

واللافت أن هذا الجزء من بيان الحقائق حدد مَن هم الشركاء في تونس،أي الحكومة، لكنه حدد الخصوم في ليبيا وعجز عن تحديد الشركاء. وبما أن الأميركيين لم يجدوا شركاء في ليبيا يقومون بالمهمة نيابة عنهم كما هو الأمر في العراق واليمن وبلدان أخرى، فقد كان مصير ليبيا هو الإهمال من الجانب الأميركي، وإذا تغيّر الحال فلن يتجاوز إحالة ملف ليبيا في أحسن الأحوال لشركاء أوروبيين وفي أسوأ الأحول للدول المغاربية المجاورة.

ومن الواضح أن أوباما ووزيرة خارجيته أثناء الثورة الليبية هيلاري كلينتون، لم يكونا يتوقعان أن تصاب الثورة الليبية بانتكاسة إذ كانت تصريحاتهما مبتهجة ومتفائلة بعد الإطاحة بالعقيد الليبي الراحل معمر القذافي، واعتبرا ذلك يوم تحرير للشعب الليبي. ففي 23 أكتوبر/تشرين الأوّل 2011، صدر بيانان عن أوباما وكلينتون حول إعلان تحرير ليبيا، سارعا فيهما إلى تهنئة الشعب الليبي على التحرر من أربعة عقود من الطغيان والوحشية، وثمانية شهور من النزاع الدموي. وتفاءل أوباما في بيانه قائلاً: "الآن، وبعد أن وصل القتال في ليبيا إلى نهايته، فإننا نتطلع إلى العمل مع المجلس الوطني الانتقالي في الإعداد لأوّل انتخابات حرة ونزيهة في البلاد".

طالب أوباما في حينها، السلطات الليبية، التي لم يكن لها وجود، بتجميع الجماعات المسلّحة تحت قيادة مدنية موحّدة، متعهداً بما لم يفِ به لاحقاً، وهو المساعدة في دفع وتعزيز عملية انتقالية ديمقراطية مستقرة. وبعد حوالي ثلاثة أعوام، أقرّ أوباما للصحافي طوماس فريدمان، في مقابلة صحفية نشرتها "نيويورك تايمز"، بأن إهماله لليبيا بعد سقوط القذافي من أكثر الأمور التي يندم عليها في سياسته الخارجية.

ملفات أكبر من ليبيا

قد يصاب أيّ خبير أو متابع للملف الليبي بالإحباط من سذاجة صانع القرار الأميركي الذي يبدو أحياناً وكأنه يُناقض نفسه أو كأنه لا يفقه شيئاً في القضايا التي تتعلق بأمن بلاده. أما الرجل المقيم في البيت الأبيض، فلا يتمتع بميزة التفرّغ لملف واحد من الملفات، بل إن أمامه يومياً عشرات القضايا الخارجية الساخنة، ولا يستطيع أن يتفرغ لمكان واحد فقط كما يفعل المحللون والخبراء حتى من التابعين له أو الموجودين في مكتبه الرئاسي.

من هذا المنطلق، فإن استقرار ليبيا مهم جداً لصانع القرار الأميركي لما في الأرض الليبية من ثروات وفرص واعدة للشركات الأميركية، ولما يشكله وضع ليبيا الراهن من أخطار على الأمن الأميركي والعالمي. ولكن لسوء حظ الليبيين في الزمن الراهن فإن بلادهم ليست حالياً هي البلد الأكثر خطورة على الأميركيين، فقد ظهر ما هو أخطر من ليبيا وهو "الدولة الإسلامية" في العراق وسورية، ويأتي في الدرجة الثانية تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، قبل "أنصار الشريعة" في ليبيا أو "أنصار الله" في اليمن.

11 سبتمبر الليبي

ولكنّ الوضع في ليبيا يتأرجح وهو مرشح للتصاعد ولا يمكن أن تغيب خطورة الفوضى السائدة في ليبيا عن ذهن صانع القرار الأميركي لأن ليبيا أصبحت مرتبطة في ذاكرة الأميركيين بأسوأ يوم عرفوه في تاريخهم، وهو يوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول... ليس فقط للعام 2001، وإنما أضيف إلى التاريخ ذاته الهجوم على قنصليتهم في بنغازي في اليوم نفسه عام 2012 وقتل السفير كريستوفر ستيفنز، وهو ما سيجعل صانع القرار الأميركي ينظر إلى ليبيا لسنوات طويلة من زاوية ملف مكافحة الإرهاب ويتعامل مع الملف الليبي على هذا الأساس.

ومهما وصل إليه الوضع الإنساني في ليبيا من مأساوية، فليس من المتوقع أن تتدخل الولايات المتحدة بجيشها أو بمواردها لإنقاذ الوضع، لأن ذلك يتعارض مع عقيدة أوباما الدفاعية التي تعتمد القتال عن طريق شركاء أو وكلاء بالنيابة من دون توريط الجيش الأميركي في أي مواجهات برية مقبلة، إذ إن عقدة فيتنام قد أضيفت إليها عقدة افغانستان وعقدة العراق ولا مجال مطلقاً لإضافة عقدة ليبيا إلى الذاكرة الأميركية.

ويُعبّر أوباما عن هذه العقيدة في خطابه الذي ألقاه في "ويست بوينت" في أواخر مايو/أيار الماضي وقال فيه: "إن الولايات المتحدة ستستخدم القوة العسكرية، من جانب واحد إذا لزم الأمر، لحماية شعبنا أو وطننا، وعندما لا تشكل القضايا ذات الاهتمام العالمي تهديداً مباشراً للولايات المتحدة، أو عندما تكون هذه القضايا محفوفة بالمخاطر، وعندما تنشأ أزمات تحرك ضميرنا أو تدفع العالم في اتجاه أكثر خطورة ولكن لا تهددنا بشكل مباشر، فإن سقف المتطلبات اللازمة للقيام بعمل عسكري يكون أعلى. وفي مثل هذه الظروف، لا ينبغي لنا أن نذهب وحدنا. لكن بدلاً من ذلك، يجب علينا حشد الحلفاء والشركاء لاتخاذ إجراءات جماعية. ويجب علينا توسيع نطاق أدواتنا لتشمل الدبلوماسية وفرض العقوبات والعزلة، والاحتكام إلى القانون الدولي، والعمل العسكري المتعدد الأطراف إذا كان عادلاً وضرورياً وفعالاً".

المساهمون