إخوة المغول.. تدمير المجتمعات

إخوة المغول.. تدمير المجتمعات

01 ابريل 2015
لم يتسنَّ لداعش تونس فعل ما فعله بالموصل(فرانس برس)
+ الخط -
المتحف الأقرب الذي طاوله التدمير على أيدي مقاتلي "داعش" هو متحف الموصل، وقد شاهد ملايين البشر "أشاوس" التنظيم وهم ينهالون بمطارقهم على تماثيل تنتمي الى الحضارات الآشورية والبابلية والسومرية وغيرها، فيحيلون تراثاً حضارياً لا يقدر بثمن مجرد قطع متناثرة من الحجارة.

لم يتسنَّ لداعش في تونس أن يفعل ما فعله في الموصل، لكن الدلالات لا تختلف كثيراً. وهو حكم لا يغير فيه القول إن التنظيم كان يقصد مجلس النواب، وليس المتحف والسواح. يمكن الجزم بأن "داعش" لا يعادي الحضارات القديمة، بل هو أساسا وبالأصل يعادي الحضارة الإسلامية برحابتها والتي استوعبت تلك الحضارات وهضمتها في شتى المناحي، وأضافت عليها من عندياتها الكثير. وعليه ليس من قبيل الصدفة أن تكون أكبر موجة من التفجيرات قد طاولت المقامات والمساجد الإسلامية.

يعتبر الداعشيون أن كل ما يخرج عن النصوص، كما يرونها، هو عبارة عن كفر تتوجب إبادته ماديا ومعنويا، وعليه يصبح العالم عبارة عن رقعة مسطحة لا أثر فيها لكل ما أنجزه العقل البشري من منظومات قيم وتواصل مع الآخر وفنون وآداب وعمارة وغيرها.

ويزداد الوضع خطورة متى علمنا أن هؤلاء لا يعتبرون هذا التفاعل الحضاري له قيمته القصوى، وله مردوده المادي والثقافي على حياة الشعوب التي تنعم به. لذلك قيل الكثير عن توجيه التنظيم ضربته القاتلة لقطاع السياحة التونسي الذي يفيد منه عشرات ألوف التونسيين. ومما يجعل من هذا الوضع احتمالا حقيقيا هو التراجع والأزمة الاقتصادية - الاجتماعية التي تعانيها تونس. وهي الأزمة التي تتقاطع العديد من المؤشرات على التأكيد أنها بلغت حدا غير مسبوق، إذ هناك ما لا يقل عن 34 % من الشباب التونسي يعاني البطالة، ناهيك عن تراجع المداخيل في معظم قطاعات العمل من دون استثناء.

أكثر من ذلك هناك من يعتقد أن ما شاع على ألسنة المحللين من أن تونس بإجرائها الانتخابات النيابية والرئاسية ومشاركة كل الأحزاب والقوى بما فيها حزب النهضة، قد سلكت طريق الخروج من مضاعفات "ثورة الياسمين" وانتظمت حياتها السياسية ومؤسساتها بعد سقوط حكم بن علي.

يقول داعش عبر زخات الرصاص التي انطلقت على السواح ورجال الشرطة، أن تونس ما زالت في المربع الأول، ورصاص "المجاهدين" أصاب الحياة السياسية ومنطق الاعتدال والديمقراطية وقبول الآخر والانتخاب وحرية التعبير عبر صندوق الاقتراع. ومما لا شك فيه أن مثل هذه العودة لا تحمل سوى معنى واحد هو العودة إلى الفوضى حيث تزدهر "سوق الجهاد".

ولكن السؤال المطروح هو: لماذا متحف باردو؟

(أستاذ في كلية التربية - الجامعة اللبنانية)

المساهمون