إخوان مصر في منعطف

29 ديسمبر 2015
+ الخط -
بمزيجٍ من الصدمة والدهشة والحزن يراقب محبو جماعة الإخوان المسلمين أزمتها الأخيرة، ويتساءلون: هل حقاً ما نراه؟ هل صارت للجماعة قيادتان وموقعان إلكترونيان ومتحدثان إعلاميان؟ كلٌ يعتقد أنه صاحب الشرعية والحريص على المؤسسية والشورى، وأن الآخر هو من يشق الجماعة وينشق عليها؟
تكمن الصدمة في مخالفة الأزمة أدبيات "الإخوان" وأعرافها التاريخية، فما يحفظ الصف الإخواني هو أركان البيعة العشرة التي صاغها الإمام حسن البنا، وكأنه كان يتحسب لما يخفيه مستقبل الأيام، ومنها الإخلاص، والتجرد، والتضحية، والثبات، والثقة، والطاعة، لكن هذه المعاني تبدوغائبة اليوم عن بعض أطراف الصراع الذين عاش بعضهم عقوداً في الجماعة، وقدموا التضحيات، واحتملوا تبعات معارضة أنظمة مستبدة.
وتكمن الدهشة في توقيت الأزمة العجيب، حين تعيش الجماعة في مصر أزمتها الكبرى منذ نشأتها، ما بين عشرات آلاف المعتقلين والمطاردين في مصر وخارجها، وآلاف القتلى في الاعتصامات والتظاهرات، ومصادرة أموال الجماعة وممتلكاتها، والتجريم قانوني للانتماء لها.
أي جماعة بشرية معرضة للخلافات والهفوات البشرية، ولنا في جيل الصحابة الأول نموذج في هذا، حين حدثت الفتنة الكبرى، واقتتل فريقان من الصحابة، وحين تطلعت بعض النفوس في بدر للفيء، وفي أحد للغنائم. لكن، لماذا حدثت الأزمة؟
وصف بعضهم مكمن الخلاف الحالي بأنه صراع أجيال، لكنك إذا تأملت في طرفي الأزمة، وجدت شباباً وشيوخاً في كل فريق. ورجح آخرون أن السبب على آلية الإدارة، وأن الفريق المتمرد يرى أن إدارة ما قبل الانقلاب ينبغي أن تتنحى، لأنها أثبتت عدم كفاءتها في إدارة المرحلة، وينسى هؤلاء أن اللجنة الإدارية المنشقة هي التي أدارت مرحلة ما بعد الانقلاب، ولم تحقق نجاحاً واضحاً أيضاً، بل كان خيار العمليات النوعية مما يخالف ثوابت "الإخوان المسلمين"، وعادت بالضرر على الجماعة أكثر من نفعها إن كان ثمة نفع.
ويكمن التعقيد في الأزمة أن بعض المكاتب الإدارية في مصر تؤيد اللجنة الإدارية المنشقة، بينما يدين بعضها بالولاء لمكتب الإرشاد، ولا توجد أرقام دقيقة لنسبة كل جبهة، وهل هي مشكلة واقعية أم إعلامية، فقد شكك بعضهم في صحة تأييد ثمانية مكاتب إدارية للجنة الإدارية الجديدة، ونفت مكاتب ما تم إعلانه إعلامياً عن تأييدها لها.
ثم إن رابطة الإخوان المصريين في الخارج تدين بالولاء لمكتب الإرشاد، والمعروف أنها مصدر أساسي لتمويل احتياجات الجماعة في الداخل عبر اشتراكات "الإخوان" في الخارج، وهو مصدر حيوي دائماً لتمويل أنشطة الجماعة، وازدادت أهميته مع الضغوط الاقتصادية الهائلة على الجماعة في مصر، بين مصادرة أموالها وممتلكاتها، وغياب الآلاف في السجون، ووجود آلاف الأسر من دون عائل. بالطبع، لن يتخلى مكتب الإرشاد عن مسؤوليته المادية تجاه آلاف الأسر في مصر، لكن ليس متوقعاً أن يدعم مكاتب إدارية لا تدين له بالولاء، وربما طلب من الموالين له في هذه القطاعات اختيار مكاتب إدارية جديدة، وهو ما يزيد من تعقيد الأزمة بين القديم والجديد.
وقد يبدو سهلاً اقتراح أن يتراجع فريق مكتب الإرشاد، أو بالأصح من تبقى منه، وهما محمود عزت ومحمد عبد الرحمن، للطرف الآخر إيثاراً لوحدة الجماعة، إلا أن هذا الفريق يرى بذلك أنه يُكرّس لمبدأ تمرد فريق على قيادته، وتوليه المسؤولية بعيداً عن الآليات المتعارف عليها، ويعتقد أن استئصال الفرع الآبق، مهما كان حجمه، هو الضمان للبقاء على وحدة الجماعة، خصوصاً وأن الشواهد التاريخية تؤكد ذلك، فقد شهد تاريخ "الإخوان" انشقاقات متعددة، ما بين خروج جماعة (شباب محمد) في الأربعينيات، وخروج من اعتذروا لجمال عبد الناصر في الستينيات، وخروج من تبنوا تكفير النظام الحاكم في تلك الفترة، وخروج مجموعة حزب الوسط في التسعينيات. لكن، بين هذه الانشقاقات والأزمات، لم تحدث مثل هذه الأزمة التي تكون فيها قيادتان للإخوان وموقعان إلكترونيان ومتحدثان إعلاميان.
إذا كنا قد أشرنا من قبل أن مراجعات "الإخوان" ضرورة لمصر، فإن الأزمة الحالية تنذر بتفكك الجماعة، وتأثر الحركة الوطنية بأسرها، ومن ثم الثورة المصرية التي تجاهد لكي لا تلفظ أنفاسها الأخيرة. وإذا لم يتحرك حكماء "الإخوان" لاستيعاب أكبر أزمة في تاريخ الجماعة، فإن سنة الله جارية في كل الجماعات والتيارات والأمم التي مزقتها الخلافات.
avata
avata
أحمد سليمان (مصر)
أحمد سليمان (مصر)