أولوية "الحشد" في معركة تلعفر: وصل سورية وإيران برياً

أولوية "الحشد" في معركة تلعفر: وصل سورية وإيران برياً

30 أكتوبر 2016
عناصر "الحشد" أثناء محاصرة السلماني جنوب الموصل(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
تواجه معركة تحرير مدينة الموصل وباقي مدن محافظة نينوى من تنظيم "داعش"، وأبرزها تلعفر، والبعاج، والجزيرة، والحضر، وبلدات أخرى، تحديات كبيرة تهدد بتباطؤ العمليات أو حتى التسبب بردود فعل سياسية مختلفة، على مستوى العلاقة بين حكومة حيدر العبادي وواشنطن وكذلك علاقتها مع حكومة أربيل، فضلاً عن تزايد التعقيدات في التواصل مع أنقرة. ومع دخول العمليات العسكرية أسبوعها الثاني، محققةً نجاحاً سريعاً بفضل الدعم الأميركي لها، باتت التوقعات مفتوحة على سيناريوهات عدة حول مصيرها. ومن المحتمل أن يؤدي تفاقم الخلافات إلى تهديد التعاون بين الحكومة العراقية من جهة وقوات التحالف من جهة أخرى. كما توجد علامات استفهام عدة حول مدى بقاء الاتفاق مع البشمركة قائماً، ومدى التزام مليشيات "الحشد الشعبي" بأوامر رئيس الوزراء العراقي، خصوصاً بعد بدء الأخيرة هجوماً على مدينة تلعفر.
ووفقاً لمراقبين عراقيين، يحاول تنظيم "داعش" إطالة أمد المعركة لأطول وقت ممكن، أملاً بتوسع الخلافات بين الأطراف المشاركة في عملية تحرير المدينة، فيما يلف الغموض نحو مليون ونصف المليون مدني نجح التنظيم في استخدامهم دروعاً بشرية داخل المدينة. وقد فقد الاتصال معهم مع فشل محاولات إعادة الإنترنت والاتصالات اللاسلكية للمدينة حيث فجر "داعش" أبراج الاتصالات بشكل كامل في الموصل، فيما يستخدم هو أجهزة "الثريا" للتواصل بين أعضائه.


معركة تلعفر... أبعاد وخلفيات

وتتجه الأنظار بشكل أساسي إلى جبهة تلعفر بعدما تحركت أمس الأحد، أول أرتال مليشيات "الحشد" آتيةً من جنوب العراق ووسطه. وبدأت تتجمع في المحور الجنوبي لمدينة الموصل مع إعلان تلك المليشيات رسمياً، عبر بيان لها، بدء عمليات الهجوم على مدينة تلعفر ذات الغالبية التركمانية عبر المحور الجنوبي للموصل.
وتنوي مليشيات الحشد التوجه، عبر تقاطع مدينة الحضر، باتجاه مدينة تلعفر الواقعة على بعد 70 كيلومتراً غرب الموصل، و38 كيلومتراً جنوب الحدود مع تركيا، و60 كيلومتراً شرق الحدود السورية.

وذكرت مصادر عسكرية عراقية لـ"العربي الجديد" أن كلاً من مليشيات: "بدر"، و"حركة أنصار الله"، و"سرايا الجهاد"، و"الأوفياء"، و"سرايا الخراساني"، و"سرايا عاشوراء"، و"النجباء"، "تتجمع منذ فجر الأحد بالقرب من قاعدة القيارة جنوب الموصل للتحرك نحو تلعفر".

وقال ضابط في الجيش العراقي لـ"العربي الجديد" إن "قرار المليشيات بالهجوم على تلعفر اتخذته من دون الرجوع لرئيس الوزراء حيدر العبادي الذي فوجئ بذلك، والدليل أنه طالب، مساء السبت، رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، بدعم عمليات الإسناد العسكري في قضاء الرطبة غرب العراق ولم يذكر شيئاً عن تلعفر"، مرجحاً أن يكون القرار ناتجاً عن زيارة قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، للعراق ولقائه بمليشيات "الحشد" ودخوله على خط معركة الموصل.


 ويخشى من أن تؤدي سيطرة مليشيات الحشد على تلعفر إلى إعادة فتح طريق مباشر بين إيران وسورية، وذلك عن طريق إعادة إحياء القناة الجافة بين البلدين، عبر العراق. وتمر هذه الطريق من ديالى (تجمعها حدود مع إيران) مروراً بسلسلة جبال حمرين، وصولاً إلى تلعفر ومن ثم إلى داخل الأراضي السورية القريبة منها. ولا تملك إيران أي طريق بري مباشر إلى سورية منذ سيطرة "داعش" على محافظة الأنبار الحدودية مع سورية. ويشير مراقبون إلى أن هذا الأمر يفسّر أسباب حذر تركيا ودول التحالف الدولي من تولي المليشيات المعركة تمهيداً للسيطرة على تلعفر.
وفي أول تصريح من نوعه، قال القيادي في "الحشد"، حيدر اللامي، لـ"العربي الجديد" إن "وجهتهم ستكون تلعفر وهي أولوية أكثر من الموصل". وأوضح أن "الوصول إلى تلعفر لن يكون سهلاً إذ يتعين السيطرة على 31 قرية و9 بلدات على طول طريق الالتفاف حول الموصل من المحور الجنوبي وصولاً إلى المحور الغربي حيث تقع تلعفر". ولفت إلى أن "هذه كلها مناطق بقبضة داعش وهناك خطط مسبقة تم إعدادها للمعركة"، وفق تأكيده. وختم بالقول إن "جزءاً من أهالي تلعفر تركمان شيعة وواجب الحشد الشعبي هو حمايتهم" وفق قوله.
في غضون ذلك، أعلن القيادي في التحالف الكردستاني، حمة أمين، لـ"العربي الجديد" أن "قوات البشمركة كانت أكثر التزاماً واحتراماً للاتفاق من المليشيات". وأضاف أنه "يتعين الآن على المليشيات السيطرة على مناطق وقرى بطول 98 كيلومتراً قبل الوصول إلى مشارف تلعفر، أبرزها عذبة ثم الجرن ثم تل عبطه وصوماير وسروال ثم الركراك وشكه، ثم المحلبية وشيخ إبراهيم، ثم التوايم ودبونة وقرية العاشق، قبل الوصول إلى ريف تلعفر"، مشيراً إلى أن "ما بين تلك المدن والبلدات والقرى مسافات ومناطق مختلفة وكلها يسيطر عليها داعش"، بحسب تأكيده. وتابع المسؤول الكردي أن "توجه المليشيات طائفي ونتوقع أن تحدث انتهاكات لذا لن نقدم لها دعماً وستلتزم البشمركة بخطة التحالف الدولي".

من جانبه، ذكر عضو في البرلمان العراقي عن كتلة الإصلاح، لـ"العربي الجديد"، أن "التحالف الدولي لن يوفر الدعم لمعركة تلعفر" وأنه تم إبلاغ العبادي بذلك. وبين أن "التحالف الدولي رفع يده أيضاً عن المحور الجنوبي للموصل منذ ليلة الخميس وعلى ما يبدو هناك خلافات كبيرة"، مشيراً إلى أن "واشنطن ترى في تحركات الحشد إخلالاً للاتفاق الذي سبق المعركة".


وذكرت مصادر عسكرية عراقية أن الطيران العراقي ركز في تغطيته أمس على المحور الجنوبي ومناطق قتال المليشيات بعد سحب التحالف الدولي دعمه لفصائل "الحشد" رداً على إعلانها التوجه إلى تلعفر والإخلال بالاتفاق. وهي معلومات أكدها القيادي في قوات الحشد الوطني، محمد الحمداني، الذي يقال خلال اتصال مع "العربي الجديد" إن "واشنطن لن تدعم الحشد كونها غير واثقة من نتائج الهجوم وتبعاته والانتهاكات التي قد تحدث هناك على أسس طائفية أو عرقية". وأكد أن "خطوة المليشيات فاجأت الجميع بمن فيهم رئيس الحكومة وهذا يدل على أن تلك المليشيات تتحرك بأوامر إيرانية"، بحسب الحمداني.

وأكدت قيادة العمليات المشتركة أن "مهمة السيطرة على الحدود الرابطة بين الموصل وسورية أوكلت إلى الحشد الشعبي". وذكر المتحدث باسم القوات المشتركة، العميد يحيى رسول، في بيان صحافي، أمس الأحد أن "الحدود التي تربط الموصل بسورية لا تزال غير مؤمنة بالكامل، وأن عملية قطع شرايين الجماعات الإرهابية من أهم العمليات العسكرية لقطع طرق مواصلاتهم وطرق إمدادهم عن ذلك الطريق الذي يربط الرقة بالموصل، الواقع في المحور الجنوبي الغربي". وأكد أن "هذه المهمة أوكلت لقوات الحشد الشعبي".

في غضون ذلك، انتقدت جهات سياسية وعشائرية ما وصفته بـ"التعامل الانتقائي" للحكومة العراقية تجاه الحشد العشائري والوطني التابع لمحافظة نينوى في محاولة لإبعاده عن المشاركة في معركة الموصل. وقال رئيس مجلس عشائر نينوى، وطبان الرماح، لـ"العربي الجديد" إن الحكومة كانت قد وافقت على تجهيز 15 ألف مقاتل من الحشد العشائري من أبناء محافظة نينوى للسيطرة على الأرض بعد استعادة مدينة الموصل، إلا أنها لم تجهز سوى أربعة ألاف مقاتل فقط"، بحسب تأكيده.

ودعا الرماح الحكومة العراقية إلى "ضرورة إشراك مقاتلي الحشد العشائري من أبناء الموصل كونهم أبناء هذه المناطق ويعرفونها جيداً"، محذراً في الوقت ذاته "من المساعي المشبوهة من بعض الأطراف السياسية والرامية إلى تحجيم دور الحشد العشائري وإبعاده عن المشاركة في تحرير مدينة الموصل".

واعتبر القيادي في الجبهة التركمانية، محمد مدحت، لـ"العربي الجديد" أن قيام مليشيات "الحشد الشعبي" بمحاصرة مدينة تلعفر يمثل تهديداً كبيراً ضد سكان المدينة الذين يشكل التركمان الغالبية العظمى من سكانها"، مبيناً أن "الخوف من انتهاكات وأعمال انتقامية تقوم بها تلك المليشيات قائم".

في هذا السياق، رأى الخبير في شؤون الفصائل المسلحة، سامر الربيعي، أن "مليشيات الحشد تخطط لتجميع فصائلها في تلعفر للسيطرة على البلدة بعد التخلص من داعش". وقال خلال حديثه مع "العربي الجديد"، إن "هذه التحركات العسكرية واستنفار القوى لفصائل المليشيات يؤشر إلى أبعاد سياسية من معركة تلعفر"، مبيناً أنّ "الحشد على ما يبدو يسعى لتجميع فصائله في هذا المحور، ليكون قاعدة له للتحرّك نحو مناطق الموصل وسورية، وتنفيذ أجنداته الخاصة". وحذر من "خطورة هذا المخطط على أمن محافظة الموصل والتعايش السلمي فيها بعد مرحلة داعش".

وفي آخر تطورات معركة استعادة الموصل، استأنفت قوات البشمركة أمس الأحد، عمليتها العسكرية بالتزامن مع عودة التحالف الدولي إلى سماء المدينة. ونجحت باقتحام مدينة بعشيقة شرق الموصل، والسيطرة على أغلب أجزائها بعد حصار استمر ستة أيام فرضته على المدينة. وتمكنت قوات الجيش العراقي من تحرير قرى علي الرش والحقول والجرن وأجزاء من ريف الشورة جنوب الموصل. وقال قائد عمليات تحرير نينوى، الفريق الركن، نجم الجبوري، لـ"العربي الجديد" إن" العمليات العسكرية عادت إلى ذروتها مع منتصف نهار الأحد تحت الغطاء الجوي لقوات التحالف"، مبيناً أن "المعارك تركزت على مكافحة جيوب مسلحة للتنظيم في مناطق تم دخولها في المحورين الجنوبي والشرقي".

وأوضح آمر اللواء الأول بالجيش العراقي، فلاح الطائي، لـ"العربي الجديد" أن "هناك سلسلة انسحابات لداعش تكاد تكون غير مفهومة في بعض المناطق". وأضاف أن وجوده يتقلص في القرى والمناطق الزراعية حول الموصل، معرباً عن اعتقاده أن "داعش" يحاول تركيز وجوده في المناطق الأكثر أهمية بالنسبة إليه، ولا سيما مع عودة الطيران الدولي إلى سماء الموصل.
ونفذ التحالف الدولي خلال الساعات الأولى لاستئناف عملياته، أكثر من 18 ضربة جوية على الموصل وضواحيها. وعلمت العربي الجديد" من مصادر محلية داخل الموصل أن طيران التحالف دمّر موقعين لـ"داعش" داخل المدينة، ما أسفر عن قتلى وجرحى بينهم قيادات بارزة في التنظيم.