أولويات الصين الخمس.. والتسلح المتزايد

أولويات الصين الخمس.. والتسلح المتزايد

28 ابريل 2015

عرض نسخة حديثة من صواريخ باليستية في بكين (28نوفمبر/2014/Getty)

+ الخط -

حدد البرلمان الصيني (3 آلاف نائب)، أواسط الشهر الماضي، بعد أسبوعين من النقاش، الأولويات الخمس للحكومة حتى نهاية العام المقبل، كالتالي: خفض معدّل النمو الاقتصادي إلى 7%، وهو الأدنى منذ 25 عاماً، واستحداث عشرة ملايين فرصة عمل في المدن التي تشهد نزوحا كثيفا من الأرياف، وعدم تجاوز نسبة البطالة 5%، مكافحة التلوّث بتطوير الطاقات المتجددة وخفض انبعاثات الغازات السامة بنسبة 3%، وتعميم الاستخدامات الرشيدة للطاقة، مكافحة الفساد المستشري بمواصلة وتشديد الحملة التي جعل منها الرئيس تشي جينينغ شعاره الأول منذ عامين، والتي طالت، حتى الآن، 80 ألف موظف حكومي، عدم تجاوز العجز العام نسبة 2.3% من إجمالي الناتج المحلي، وتبدية قطاعات الصحة وتنظيم الأسرة والزراعة وتربية الأحياء المائية، وصون الموارد المائية ومخزون الأغذية الاحتياطي، وزيادة ميزانية الدفاع لجيش التحرير الشعبي بنسبة 10%، لتصل إلى 188 مليار دولار.

توقّف المراقبون عند الأولويات الأربع الأولى، وأجمعوا على أنها تحمل مؤشرات واضحة تبعث على الارتياح في المشهد الاقتصادي والسياسي العام. لكن، لم يغب عن أحد ما حملته الأولوية الخامسة من دلالات مثيرة للقلق في العواصم الغربية، وخصوصاً في الجوار الآسيوي، على الرغم من أن الانفاق العسكري في الصين ما زال دون ربع الإنفاق العسكري للولايات المتحدة الذي يزيد عن 600 مليار دولار، يليه الإنفاق السعودي، ثم الروسي.

اللافت أن وتيرة التسلح الكمّي والنوعي في الصين تنمو باضطراد منذ ثلاثة عقود، وتتزامن مع ارتفاع منسوب المشاعر المناهضة لبكين، في البلدان المجاورة التي ترى في مطالب الصين المتزايدة حول الحدود البحرية والجزر نهجاً استفزازياً، يرمي إلى توسيع دائرة النفوذ الإقليمي والهيمنة الاستراتيجية. وقد شهدت دول في المنطقة تظاهرات معادية للصين في الفترة الأخيرة، أبرزها التي خرجت في فيتنام، العام الماضي، وتعرّضت خلالها شركات ومصانع صينية لاعتداءات أوقعت عشرات القتلى، وأعادت أجواء الصدام المسلّح الذي وقع بين البلدين في العام 1979، وأدّى إلى تأجيج المشاعر التاريخية المناهضة للصين التي استعمرت فيتنام مئات السنين. وفيما كان النزاع بين بكين وطوكيو حول أرخبيل سنكاكو قد بلغ شفا المواجهة العسكرية، كانت الفلبين تلجأ إلى طلب مساعدة الولايات المتحدة، لمواجهة المطالب الصينية بالسيطرة على مناطق حدودية متنازع عليها بين البلدين.

ولم يعد خافياً أن الولايات المتحدة، على الرغم من دعواتها الرسمية المتكررة دول المنطقة إلى الهدوء وضبط النفس، ترى، في هذا التصعيد الإقليمي، إضعافا لمنافستها الاستراتيجية الرئيسية في القرن الحادي والعشرين، ولا تتردد في إعلان دعمها حلفاءها الذين تربطهم بها معاهدات دفاعية، مستغلّة ذلك لتعزيز حضورها التجاري والاقتصادي في محيط الامتداد الطبيعي للصين التي تخوض معها لعبة شطرنج معقدة وطويلة الأمد، على الصعيد العالمي، كان آخر فصولها قرار بكين تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار بديلاً للمؤسسات المالية الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي .

على الرغم من الاعتراضات الأميركية والمحاولات المستميتة التي بذلتها واشنطن، لثني حلفائها الأوروبيين عن التجاوب مع الخطوة الصينية، كانت بريطانيا، وهي الحليف الأوثق للولايات المتحدة، الدولة الغربية الأولى التي قررت المشاركة في تمويل رأس مال هذا البنك، تبعتها فرنسا وألمانيا وإيطاليا، متجاهلة الاعتراض الأميركي. ويعتبر انضمام أوروبا إلى هذه الخطوة الصينية المتقدمة انتصاراً كبيرا للصين، لما يحمله من مؤشر واضح على التحوّل الذي يشهده الاقتصاد العالمي لمصلحة بكين التي يفضّل الأوروبيون التعاون معها، عوضا عن الوقوف إلى جانب واشنطن، في حربها السياسية الباردة ضد الصين.

وتأتي هذه الخطوة الصينية بعد سنوات من المحاولات التي قادتها بكين، مدعومة من الهند وروسيا والبرازيل، لإصلاح المؤسسات الدولية المتعددة الأطراف، بما يعطي مزيداً من الثقل للاقتصادات الناشئة، والتي اصطدمت دائماً بمعارضة شديدة من الكونغرس الأميركي الذي يسيطر عليه الجمهوريون، على الرغم من تحذيرات الإدارة الأميركية من عواقب سياسة تجاهل هذه المطالب التي يفرضها ميزان القوى الاقتصادية الجديد في العالم.

لكن باطن العلاقات الأميركية الصينية، وهي أهمّ علاقة ثنائية في التاريخ الحديث، بإجماع كبار الباحثين، ليس مثل ظاهرها الذي غالبا ما تشوبه الاحتجاجات التي يفرضها على واشنطن موقعها، رائدة في مجال الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والتجارة الحرة، وتلك الناشئة عن تنامي القوة الاقتصادية والمالية للصين، وانزعاجها من المساعي والمحاولات الأميركية لكبح صعودها العسكري، وتطويق تمدد نفوذها السياسي إقليميا ودولياً. تكفي بعض الأرقام للتيقّن من أن لا مفرّ أمام العملاقين، الغربي والشرقي، من التكامل التجاري والاقتصادي، والتفاهم، أو التنسيق كحد أدنى، حول الملفات السياسية الكبرى: بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 600 مليار دولار في العام الماضي، 275 ألف طالب صيني يتابعون تحصيلهم الثانوي والجامعي في الولايات المتحدة مقابل 35 ألف طالب أميركي يدرسون في الجامعات الصينية. الصين هي السوق الأولى للمنتوجات الزراعية الأميركية، وأكبر دائن للولايات المتحدة، والمستثمر الأول في السوق الأميركية بقيمة تكاد تضاعف الاستثمارات الأميركية في السوق الصينية.

تدرك الولايات المتحدة أن معالجة الملفات الدولية الرئيسية، بدءاً بتغيّر المناخ وتفشّي الأوبئة والكوارث الطبيعية، ووصولاً إلى الأزمات الإنسانية والحروب الإقليمية، باتت متعذرة في الأمدين المتوسط والبعيد، من غير التنسيق مع مركز الثقل الآخر على الساحة الدولية. وتدرك الصين، من ناحيتها، أنه إذا كانت العقود الثلاثة المنصرمة هي مرحلة التنافس الدولي المحموم حول خفض كلفة الإنتاج، لكسب المواقع في السوق الدولية، فإن العقود المقبلة ستكون مرحلة الابتكار والإنتاج الذكي للاحتفاظ بهذه المواقع، والولايات المتحدة هي القطب الرئيسي الجاذب للأفكار الجديدة والتكنولوجيا المتطورة. ليس غريباً، إذن، أن يعلن الرئيس الصيني في زيارته، أخيراً، الولايات المتحدة "أن المواجهة بين البلدين تقود إلى الكارثة"، وأن يعترف الأميركيون بأن "الصين خصم وشريك استراتيجي في آن معاً".

709DDA65-D1EE-47D5-BDDC-5F7A6E31B77A
709DDA65-D1EE-47D5-BDDC-5F7A6E31B77A
شوقي الريس
شوقي الريس