أوروبا والقائمة الروسية السوداء

أوروبا والقائمة الروسية السوداء

15 يونيو 2015

بوتين وميركل في موسكو في 10 مايو 2015. (Getty)

+ الخط -
أصدرت الحكومة الروسية، قبل نحو شهر، قائمة سوداء تمنع بموجبها 89 مواطنًا أوروبيًا رفيعي المستوى من دخول الأراضي الروسية، من دون تقديم أيّة مبرّرات قانونية، أو ذكر الأسباب التي دفعتها إلى الإقدام على اتخاذ مثل هذه الخطوة. وعقّبت اللجنة الأوروبية بأنّ هذا الإجراء تعسفيّ جملة وتفصيلاً، وبعيد عن الشفافية، وأعدّ بطريقة غامضة ومرفوضة. وتشمل القائمة كبار القادة ورجال الدولة في 17 دولة أوروبية. 
وجاء في ردود فعل الاتحاد الأوروبي أنّ السلطات الروسية قد أقدمت، قبل أشهر، على إيقاف كبار رجال دولة رسميين وإعلاميين قادمين من المنظومة الأوروبية، مبرّرة ذلك بوجود قائمة سوداء سرّيّة. وطالبت اللجنة الأوروبية، في كلّ مرّة، يوقف فيها أحد المعنيين الأوروبيين، بالاطلاع على هذه القائمة، وعلى إطارها القانوني، وبناءً على طلب اللجنة الأوروبية وإلحاحها، قدّمت موسكو القائمة، بعد تكرّر حالات وقف الزائرين، وإجبارهم على مغادرة البلاد. عدا عن الأسماء، لم يقدّم الطرف الروسي أيّة تفاصيل، أو أعذار قانونية، تبرّر منع الشخصيات الرسمية من التوجّه إلى روسيا. وستطالب الدُولُ المعنيّة بتوضيحات من الكرملين، لمعرفة الأسباب التي استدعت روسيا إلى القيام بهذه الخطوة.
قالت وزارة الخارجية الروسية، في 27 مايو/أيار الماضي، إنّها أرسلت القائمة إلى سفارات دول المنظومة الأوروبية في موسكو من دون التعليق على ذلك. واكتفت موسكو بالتذكير بأنّ القائمة تعتبر بمثابة ردّ على الحصار الاقتصادي والعقوبات التي تبنتها دول عديدة في المنظومة الأوروبية ضدّ روسيا، وفي مقدمتها ألمانيا. وهناك قائمة مثيلة موجّهة ضدّ مواطنين أميركيين، لكن، ومع هذا، أكّدت تصريحات لمصدر دبلوماسي في وزارة الخارجية الروسية، نقلا عن وكالة تاس للأنباء، أنّ أميركا تتبنّى سياسة خارجية أكثر منهجية من السياسة الأوروبيّة.
ذكرت الصحافة الغربية أنّ هذه الخطوة أزعجت قارة أوروبا القديمة، وأدّت إلى تصعيد التوتّر في العلاقات الثنائيّة، خصوصاً أنّ القائمة جاءت قبل أسابيع من مشروع إعادة النظر في العقوبات المفروضة على روسيا. وفي هذا السياق، صرّحت فرح دخل الله المتحدّثة باسم الخارجية البريطانية، "إذا كان الهدف الروسي الضغط على الاتحاد الأوروبي، لتخفيف العقوبات، فإنّ هذه الطريقة ليست المثلى وغير مجدية"، وأضافت "نلاحظ، منذ فترة قريبة، أنّ روسيا لا تسعى إلى التخفيف من حدّة التوتّر، بل تحاول جاهدة تصعيده".
وتضم القائمة 18 شخصية بولنديّة ما يعادل 20% من الشخصيات المعنيّة، وتجدر الإشارة إلى أنّ الفضيحة اندلعت، حين أعادت السلطات الروسيّة من أرض مطار موسكو كارل-غيورغ فيلمان، نائب رئيس الكتلة البرلمانيّة للاتحاد الديمقراطيّ المسيحيّ الألماني، وكان في زيارة رسميّة للكرملين، للقاء شخصيات قياديّة في البرلمان الروسي "الدوما". أبلغته السلطات الروسية بأنّه غير مرحّب به لدخول روسيا حتى عام 2019. وتضامنًا معه، ألغى يوهانس زينغهامر نائب البوندستاغ الألماني زيارته لموسكو، كما احتجت برلين بشدّة على حظر دخول نوابها لروسيا، وطالبت، على الفور، بنشر قائمة القادة الأوروبيين الممنوعين من السفر إلى هناك.
أوضح السفير الروسي لدى الاتحاد الأوروبي، فلاديمير تشيغوف، أنّ القائمة ليست عشوائية، واختير الأشخاص المعنيون بعناية، ولا توجد سلطة قانونيّة أو التزامات دوليّة تجبر روسيا على نشر القائمة، ويذكر أنّ القائمة لا تشمل المتطرفين اليمينيين، ومنهم مارين لوبان. وهي تشمل أوفي كورسبيوس السكرتير العام لمجلس الاتحاد الأوروبي، الذي سيتولى قريبًا منصب مستشار السياسة الخارجيّة للمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ورئيس الكتلة البرلمانيّة للحزب الاشتراكي الحاكم في فرنسا، برونو لو رو، ونيك كليغ النائب السابق لرئيس الوزراء البريطاني، والسفير البريطاني السابق، مالكلم ريفكيند، وجون سويرس رئيس جهاز الاستخبارات البريطانيّ السابق، والجنرال نيكولاس هوجن الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة للجيش البريطاني، وغي فرخوفستاد رئيس الوزراء البلجيكيّ السابق، وفيتاوتاس لاندسبيرغيس، أول رؤساء لاتفيا المستقلّين، وستانسلاف كوزيئيه رئيس مجلس الأمن القومي لبولندا، وإيفا آدلر رئيسة مصلحة الضرائب في السويد، ووزير الخارجية التشيكي السابق كاريل شفارتسنبيرغ، وغيرهم من أصحاب المناصب المهمة في الدول الأوروبيّة المعنيّة.

البرلمان الأوروبي
جاءت ردود فعل البرلمان الأوروبي خجلة بعض الشيء، لكنّها، على الرغم من ذلك، تصبّ في إطار تفعيل مظاهر الحرب الباردة. سيقوم البرلمان الأوروبي بتفتيش النواب الروس، حال دخول أبوابه، كما تمّ تجميد أعمال لجنة التعاون البرلماني بين روسيا والاتحاد الأوروبي. عدا عن ذلك، صرّح البرلمان الأوروبي بأنّ فلاديمير تشيغوف، السفير الروسي الخاصّ في بروكسل، غير مرحّب به في البرلمان الأوروبي.
القرار الذي اتخذه مارتين شولتز، رئيس البرلمان الأوروبي، هو الردّ على القائمة الروسيّة السوداء، وتشمل 89 شخصية أمنيّة وقياديّة وإعلاميّة أوروبيّة بارزة، جميعهم أدلوا بتصريحات ناقدة وحادّة بشأن سياسة نظام بوتين الاستبدادية. وقد أشار البرلمان الأوروبي، كذلك، إلى أنّ روسيا لم تبذل الجهود لتحقيق الشفافيّة في تشكيل القائمة السوداء، ولم تتح أيّ مجال للطعن فيها أمام القضاء الدولي. وقال المكتب الإعلامي لشولتز إنّه سيتم التعامل، بشكل مستقلّ، مع طلبات أعضاء البرلمان الروسي والمجلس الفيدرالي الروسي الراغبين في زيارة البرلمان الأوروبي.
بعد ضمّ شبه جزيرة القرم في شهر مارس/آذار 2014 وارتفاع حدّ الأزمة الأوكرانية، عمدت أميركا والاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات اقتصادية ضدّ شركات ومواطنين روس، وردّت روسيا بمقاطعة نشاطات المجلس الأوروبي، حتى نهاية العام الحالي، وإصدار القائمة السوداء المذكورة أعلاه. وفي الأثناء، تقدّم فكتور يانوكوفيتش، الرئيس الأوكراني السابق، بشكوى لدى المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ ضدّ ضمّه وابنه في القائمة الأوروبيّة السوداء، حسب ما صرّح به المكتب الإعلامي للمحكمة. وتشمل القائمة الأوروبيّة، عدا يانوكوفيتش، أعضاء عائلته وعشرين آخرين من كبار الدولة الأوكرانيّة السابقين، جميعهم ممنوعون من دخول أراضي المنظومة الأوروبية وحساباتهم الماليّة مجمّدة.
العقوبات والحدّ من التلوّث المناخي ومكافحة الإرهاب
هدّدت مجموعة "جي 7" بفرض مزيد من العقوبات ضدّ روسيا، لارتفاع وتائر العنف والقلق في شرقيّ أوكرانيا، وخصوصاً في إقليم دونباس، وفقًا لتصريحات رسميّة، أطلقها القادة في لقاء القمّة في ألمانيا قبل أيام. على الرغم من أنّ الاتحاد يميل إلى خفض حدّة المواجهة مع روسيا، لكنّ هذه الرغبات تبقى محض تمنّيات. وردًا على سؤال وُجّه للسفير الروسي في صوفيا، يوري إيساكوف، بشأن تخوفّات بلاده من التوسّع الأوروبي و"الناتو" إلى الشرق ليس بعيدًا عن مشارف روسيا، استغرب السفير استخدام الصحافي مصطلح "تخوّفات"، وقال إنّ روسيا قويّة، لا تخشى شيئاً، ما يدلّ على الثقة الفائضة حدّ العنجهيّة في سياسة الكرملين الخارجيّة.
وُصفتْ ميركل في إحدى اللقاءات بـ"مستشارة المناخ"، ولم تتوقف المستشارة الألمانيّة عن المطالبة بالحدّ من انتشار الغازات المنبعثة عن المصانع العملاقة، وكذا في لقاء القمّة أخيراً في بافاريا، وطالبت باتخاذ إجراءات واضحة ومحددة في هذا الاتجاه، للحيلولة دون استمرار التغيّرات المناخيّة حول العالم.
تركّز اجتماع القمّة على بحث ودراسة ملفات التغيّرات المناخيّة، ومكافحة التلوّث والأوبئة وغيرها من المشكلات الصحيّة، وكذلك العمل على إيجاد آليات لمواجهة تنظيم "بوكو حرام" في نيجيريا، وتنظيم الدولة الإسلاميّة في الشرق الأوسط، وتنمية القارة الإفريقيّة.
دعم الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، توجّهات المستشارة الألمانيّة، للحدّ من التلوّث البيئي، تجدر الإشارة إلى أنّ هولاند سيستضيف اللقاء الموسع المقبل للهيئة الأممية لمكافحة التغيرات المناخية في باريس، وأصرّ كذلك على التزام المجموعة الصناعيّة الكبرى بالتخلّص من انبعاثات الكربون حتّى منتصف القرن الحالي، وبضرورة تقديم المساعدات الماليّة للدول الفقيرة النامية لإصلاح قطاع الطاقة لديها، ما سيساعد على خفض انبعاثات الكربون، ومكافحة تلويث البيئة وعمليات التصحّر وارتفاع درجات الحرارة في هذه الدول. وقدّمت اليابان وعودًا بالالتزام وعدم تجاوز حصّتها في انبعاثات الكربون.
لقاء مجموعة الدول السبع الكبرى المقبل سينعقد على شاطئ البحر في اليابان في مدينة شيما خلال العام المقبل 2016، حيث ستتولى اليابان الرئاسة الدوريّة للمجموعة.
وقد صوّت البرلمان الأوروبي في 10 يونيو/حزيران الجاري، بأغلبية 494 صوتًا ومعارضة 135 وتحفظ 69، على مشروع قرار بإعادة النظر في العلاقات المشتركة مع روسيا. وجاء في القرار: إنّ روسيا تمثّل تهديدًا للمجتمع الديمقراطيّ الدوليّ المبنيّ على النظام والقانون، وتدعم روسيا وتموّل الأحزاب المتطرّفة والراديكاليّة في الاتحاد الأوروبي. وطالب مفوّضو البرلمان الأوروبيّ بتشكيل آليات لرقابة المساعدات الماليّة والسياسيّة والتقنيّة الروسيّة للأحزاب والمنظّمات الأوروبيّة، وتقييم أثر روسيا على السياسة والرأي العام الدولي.
وحسب القرار الأوروبي، يجب وضع خطّة للعمل باستخدام "القوّة الناعمة" في الحالات الطارئة ضدّ سياسة الكرملين العنفويّة، وتوصي بنوده بالحفاظ على وحدة موقف دول المجموعة الأوروبيّة الحاسم تجاه ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم، وتدخّلها الصريح في الحرب في أوكرانيا. وحثّ القرار على عدم المصادقة على أيّة اتفاقيات ثنائيّة مع روسيا، بما يؤثّر على وحدة المنظومة.
ومن المتوقع أن تطرح اللجنة الأوروبية مشروع قرار يضمن الشفافيّة المطلقة بشأن التمويل المالي للأحزاب السياسيّة في أوروبا من الجهات المعنيّة خارج المنظومة. كما دانت اللجنة القائمة الروسيّة السوداء، والتي تشمل 89 مواطنًا أوروبيًا من كبار رجال السياسة والعسكريين وذوي المناصب الرسميّة.
ويرى البرلمان الأوروبي إمكانية تحسين العلاقات البنيويّة المشتركة مع روسيا لصالح الطرفين، وأوضح كذلك أنّ هذا الشأن ممكن، حال احترام روسيا استقلال أوكرانيا وسيادتها على كامل أراضيها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. وتطبيق روسيا ما ورد في اتّفاقيتَي مينسك ووقف محاولاتها لرفع مستوى المواجهات العسكريّة في شمال أوكرانيا، وكذا الأمور المتعلّقة بسلامة وأمن حدود الدول الأعضاء في المنظومة الأوروبية.
وحسب قناة RT الروسية، يرجّح الكرملين تمديد العقوبات الروسية "القائمة السوداء"، ردًا على نتائج مجموعة الدول السبع الكبرى، وقرار البرلمان الأوروبيّ الأخير. وقد شكك سيرغي إيفانوف، رئيس الديوان الرئاسيّ الروسي، بإمكانيّة إلغاء القائمة السوداء، لإدراك روسيا استمرار العقوبات الأوروبيّة والأميركيّة ضدّها. وأضاف أنّ العقوبات الاقتصاديّة ضدّ روسيا سيفٌ ذو حدّين، وأثّرت سلبيًا على تسويق المنتجات الأوروبيّة، لكنّها، وفي نهاية المطاف، حثّت المنتجين الروس على رفع معدّلات الإنتاج لتعويض النقص في الأسواق الوطنية. تجدر الإشارة إلى أنّ إيفانوف أحد المستهدفين في القائمة السوداء الأوروبيّة، ويُحظرُ عليه دخول الأراضي الأوروبيّة، لكنّه اعتبرَ حظرَ سفره ممارسة دوليّة تقليدية، مع استغرابه عدم توضيح الاتحاد الأوروبي الأسباب التي دعته إلى ضمّه في قائمتها السوداء.

59F18F76-C34B-48FB-9E3D-894018597D69
خيري حمدان

كاتب وصحفي فلسطيني يقيم في صوفيا. يكتب بالعربية والبلغارية. صدرت له روايات ودواوين شعرية باللغتين، وحاز جائزة أوروبية في المسرح