أوباما يحسم خياره بتوسيع حربه على "داعش"

24 اغسطس 2014
لا عوائق أمام التحرك الأميركي ضد "داعش" (كريس هوندرس/Getty)
+ الخط -
يدور في مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة جدل واسع بشأن الخيارات الممكنة أمام إدارة الرئيس باراك أوباما للتعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ومن اللافت أن النقاش لم يعد يتركز فقط على الوسائل العملية لدحر "داعش" عسكرياً وإلحاق الهزيمة به ميدانياً، بل امتد ليشمل الخيارات الممكنة على الصعيد الأميركي المحلي لتوفير الغطاء القانوني والسياسي والمالي لتحقيق الهدف المشار إليه.

وفي السياق، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" أمس السبت، أن من بين أهم الخيارات التي يدرسها أوباما ومستشاروه حالياً، توجيه طلب إلى الكونغرس للحصول على تفويض شامل يوفر الغطاء القانوني محلياً والتمويل المالي قبل إصدار أوامره للقوات الأميركية بتنفيذ أعمال عسكرية غير محدودة ضد "داعش" بموجب استراتيجية مكافحة الإرهاب التي أعلنها أوباما العام الماضي.

كما نقلت الصحيفة عن مسؤول في الإدارة الأميركية، أن أوباما يضع بعين الاعتبار السعي للحصول على تفويض شبيه بالتفويض الذي منحه الكونغرس للرئيس السابق جورج بوش عام 2002 للإطاحة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

ومن الخيارات الأخرى التي يدرسها أوباما، وفقاً لـ"واشنطن بوست"، الحصول على تفويض مؤقت بموجب قانون "سلطات الحرب" الذي يعطي الحق للحكومة الأميركية بتنفيذ عمليات طارئة لحماية المواطنين الأميركيين. وتعليقاً على ما أوردته الصحيفة الأميركية، قال مصدر على دراية ببعض جوانب النقاش الدائر لـ"العربي الجديد"، إن مسألة استهداف "داعش" وقياداتها ومقاتليها داخل الأراضي السورية بعمليات خاصة أو غارات جوية بطائرات مقاتلة أو طائرات بدون طيار، أصبحت محسومة ولم يعد يقف أمامها سوى "موانع أخلاقية وعملانية ثانوية".

ومن الموانع الأخلاقية التي ألمح إليها المصدر، أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، التزم بتسليم أسلحته الكيماوية مقابل التزامات أميركية غير معلنة، ويخشى دبلوماسيون أميركيون أن يؤدي إخلال الولايات المتحدة بالتزاماتها إلى اتهامها بفقدان المصداقية بما يؤدي إلى إفشال تجارب محتملة في المستقبل للتخلص من ترسانات مماثلة تملكها أنظمة ديكتاتورية.

لكن المسؤولين العسكريين يردّون على الدبلوماسيين بأن استهداف "داعش" داخل الأراضي السورية لا يعني بالضرورة استهداف النظام. أما فيما يتعلق بالعقبات العملانية الميدانية، فتتلخص في خشية أبداها بعض قادة سلاح الجو الأميركي من أن يكون الروس قد زودوا نظام الأسد بأنظمة دفاع جوي قادرة على تهديد الطائرات الأميركية، أو أن يكون لدى "داعش" أسلحة قادرة على إبطال مفعول الطائرات بدون طيار التي تحلق على ارتفاع منخفض.

وتؤكد صحيفة "واشنطن بوست" أن سعي إدارة أوباما لتذليل العقبات الداخلية قانونياً ومالياً وسياسياً لتنفيذ خطط كبرى، من المستبعد أن يؤخر قيام القوات الأميركية بتنفيذ عمليات طارئة أو خاطفة داخل الأراضي السورية أو في العراق من أجل إنقاذ مواطنين أميركيين من الأسر، مثلما حدث في العملية الفاشلة لإنقاذ الصحافي جيمس فولي.

وكان نائب مستشار أوباما لشؤون الأمن القومي في البيت الأبيض بن رودس، قد أكد على هذا التوجه في مؤتمر صحفي أخيراً، قال فيه "إن إدارة أوباما عملت وستعمل كل ما في وسعها لحماية أرواح الأميركيين من إرهاب داعش"، ملوحّاً بأن الولايات المتحدة لن تتقيد بأي حدود ولن تحصر عملياتها في العراق فقط بل ربما تمدها إلى سورية أو غير سورية من معاقل "داعش".

من المعروف أن توجيه القرار والتأثير على سير اتخاذه، تتجاذبه مؤسسات رسمية متعددة، عسكرية (البنتاغون)، وأمنية (الاستخبارات)، ودبلوماسية (الخارجية)، وتشريعية (الكونغرس). ولكن تبقى مؤسسة الرئاسة في نهاية المطاف صاحبة القرار النهائي والحاسم. وفي العادة يوازن البيت الأبيض بين الطروحات المختلفة ويعمل على المزاوجة بينها وبين ما يستقيه الرئيس من خارج إطار المؤسسات الرسمية، ليأتي قراره نتاجاً لعوامل محلية قانونية واقتصادية وانتخابية إلى جانب العوامل الخارجية التي تفرضها المتطلبات الميدانية والعسكرية وما يرافقها أحياناً من قيود دبلوماسية.

وفي الأسبوع الأول من شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، سينتهي مفعول التفويض الرئاسي للقوات الجوية الأميركية لتنفيذ غارات على مواقع "داعش" في العراق، باعتبار أن القانون الخاص بتنظيم "سلطات الحرب" الذي أصدره الكونغرس سنة 1973 لتلافي تكرار أخطاء حرب فيتنام، يحتم على الرئيس إيقاف العمليات العسكرية خلال 60 يوماً بعد أن يكون قد أبلغ الكونغرس بها في الـ48 ساعة الأولى من بدئها.

وإذا رأى الرئيس أن هناك ما يدعو لاستمرار العمليات، فإن عليه الحصول على تفويض برلماني من الكونغرس للاستمرار في استخدام القوة العسكرية أو توسيعها حسب مضمون التفويض الذي يراه الكونغرس مناسباً.

ولم يواجه بوش مثل هذه المشكلة لأن الزخم الناجم عن هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، سهّل له الحصول عام 2002 على التفويض والتمويل اللازمين لشن حربين في العراق وأفغانستان. أما أوباما فهو في ظرف لا يسمح له بتجاوز الكونغرس بعد أن أمعن رموز الكونغرس الجمهوريين في اتهامه بتجاوز الدستور عن طريق القرارات الرئاسية التنفيذية دون الرجوع للسلطة التشريعية.

ويعرف أوباما أنه مستهدف سياسياً وعليه أن يحمي نفسه. وليس هذا فحسب فهو يدرك أيضاً أنه قد يكون قادراً على استخدام صلاحياته كقائد أعلى للقوات المسلحة بتحريك القوات الأميركية جواً وبراً وبحراً لتنفيذ ما يريد من عمليات محدودة، ولكنه لن يكون قادراً على توفير التمويل اللازم بدون موافقة الكونغرس المسبقة على تلك العمليات.

ولهذا فإن سياسة أوباما جعلت أعضاء الكونغرس أنفسهم يطالبونه بتصعيد التحرك العسكري وهو الأمر الذي سيتيح له المجال لمطالبتهم بالتمويل من أجل تنفيذ مطالبهم. وللإشارة إلى حرصه على الالتزام بحدود صلاحياته، بادر أوباما في الثامن من أغسطس/آب الحالي، إلى إبلاغ الكونغرس ببدء العمليات العسكرية ضد "داعش"، وذلك في رسالة من صفحة واحدة تحدد بدقة أهداف الغارات الجوية ونطاقها الجغرافي. ولتوسيع العمليات، فإن أوباما يحتاج بكل تأكيد لتفويض جديد.
المساهمون