أوباما يتخبط عراقياً وسورياً

أوباما يتخبط عراقياً وسورياً

23 يونيو 2014
+ الخط -

ليس العرب وحدهم من يقعون في ممارسات عنصرية، بقصد أو بغيره، فالعنصرية تكمن في تفاصيل ممارسات أمم كثيرة، وتظهر جلية في أوقات حاسمة. يبدو أخيراً أن نجم العنصرية في صعود، ما تجلى واضحاً في عودة أحزاب أوروبية متطرفة دينياً وعنصرياً، إلى الواجهة السياسية في غير بلد أوروبي مؤثر، كفرنسا وألمانيا والنمسا وهولندا. من دون أن ننسى الولايات المتحدة التي عادت فيها العنصرية الخفية للظهور إبان ترشح باراك أوباما، أول رئيس أسود من أصول أفريقية. وقد كان وصوله إلى مركز القرار العالمي حدثاً غير عادي في الولايات المتحدة والعالم.
عبرت الأمم الضعيفة والمغلوبة والفقيرة عن فرحها بشكل غير خفيّ، وكأن وصول الرجل الأسود إلى البيت الأبيض أصبح عنوان مرحلة جديدة في التاريخ، حيث الانتصاف من الظلم، وإرساء قواعد عالمية جديدة، من شأنها تغيير شكل لعبة الهيمنة العالمية، إلا أن ثورة المشاعر تلك، سرعان ما خمدت، وعاد صوت الواقع ليحدد مسارات ومآلات الأمم، فرئيس أميركا ينتمي لأمته الأميركية وحسب، وهو على رأس إدارتها، لأجل تنفيذ أجندتها وطموحاتها، وتجسيد سياساتها. ولعل أسوأ ما في أوباما، على الصعيد الخارجي، يتمثل في تناقض تصريحاته، وتردده في اتخاذ القرارات المصيرية، وكأنه يريد أن يمرر فترته الرئاسية الثانية بأقل قدر ممكن من الخسائر، وإن على حساب حدوث خلل أساسي، وخلخلة في بنية العالم الجديد، من شأنها خدمة من هم أعداء أمته الألدّ، أي الروس.
سِجلّ أوباما على صعيد السياسة الخارجية يقودنا إلى فرضية الذهاب بعيداً للبحث عن مشكلة ما في تركيبته، فلا رئيس آخر، ديمقراطياً كان أو جمهورياً، يمكن أن يوقع أميركا فيما وقعت فيه. فهو الآن، وبعد سحب القوات الأميركية من العراق، بقرار منه في العام 2010، وإعلان انتهاء مهامها القتالية هناك، يبدو متخبطاً إزاء التطورات الجارية والمتسارعة في العراق وفي المنطقة المحيطة، بينما حسم الخصوم أمرهم، فسارع الإيرانيون إلى التدخل المباشر عسكرياً، كما فعلوا في سورية، وسط حالة جمود وتردد وتناقض أميركي.
هذا التناقض الذي أكده أوباما مجدداً، في خطابه أخيراً، يذكر بسياسته، المدروسة والمقرة، فيما يخص الثورة السورية، فبعد ثلاث سنوات ونصف من تصريحات علنية عن عدم شرعية حكم الأسد ونظامه، وبعد الوعيد الذي ارتقى إلى مقدمات تنفيذ ضربة عسكرية لنظام الأسد، أفضت خطة أوباما إلى أن ينفض يديه من القضية السورية، ويسلمها إلى الفراغ. وقد جاء ذلك على لسانه أخيراً، في مقابلة تلفزيونية مع شبكة "سي بي إس" الأميركية، معتبراً أن وجود قوة معتدلة يمكنها الانتصار على نظام الأسد، أمر فانتازي، بحسب تعبيره.
من شأن التصريح الأخير لأوباما أن يطلق يد إيران وروسيا قوتين مهيمنتين على القضية السورية برمّتها، وأن يُظهر المسألة على أنها صراع مسلح بين قوى متطرفة ونظام دكتاتوري، وأن يفسح في المجال لنظام الأسد، لارتكاب مزيد من المجازر، بلا رادع ولا خوف من إمكانية أي مساءلة مستقبلية. كما سيدفع القوى المتطرفة للاستقواء على المعتدلين والثوار، ومحاولة إزاحتهم عن المشهد، وسط ضمانات بصمت أميركي ودولي. إنه التفاف أوباما على شرعية الثورة، الذي يحمل ضمنياً، محاولة إعادة شرعنة لنظام الأسد. الأمر الذي سيستثمره الأميركيون في حربهم على ثوار العراق، وربما يكون هذا التعاون قد بدأ فعلياً، عندما قصفت طائرات الأسد أهدافاً عسكرية لمسلحين داخل الأراضي العراقية، الأسبوع الماضي، تحت أعين الرقيب الأميركي ومراقبته.

avata
avata
ياسر الأطرش (سورية)
ياسر الأطرش (سورية)