أوباما في "حال الاتحاد": لن نندفع لاتخاذ قرارات متهورة

أوباما في "حال الاتحاد": لن نندفع لاتخاذ قرارات متهورة

22 يناير 2015
استحوذ الأمن الإلكتروني على اهتمامات أوباما (مانديلأنغان/Getty)
+ الخط -
على الرغم من هيمنة القضايا المحلية الأميركية على خطاب "حال الاتحاد" الذي ألقاه الرئيس الأميركي باراك أوباما، فجر أمس الأربعاء، أمام أعضاء الكونغرس الأميركي، بمجلسيه، وكبار مسؤولي الحكومة الفدرالية، فقد كان للجوانب المتعلقة بالسياسة الخارجية، نصيب وافر من الخطاب، بدأها أوباما بالإعلان عن طي صفحة 15 عاماً من القرن الـ21.

وقال أوباما إن "الأعوام التي مضت من القرن الجديد، شهدت وصول الإرهاب إلى الشواطئ الأميركية، وتلا ذلك خوض جيل من الأميركيين حربين طويلتين مكلفتين، في أفغانستان والعراق، تسببتا في أوقات عصيبة للكثيرين في أميركا والعالم، بالتوازي مع انتشار الركود الاقتصادي، ولكننا الآن نفتح صفحة جديدة".

وأضاف أنه "إذا كان هناك شيء واحد في هذا القرن الجديد تعلمناه، فهو أنه لا يمكن فصل همومنا في الداخل عن التحديات وراء شواطئنا"، مشيراً إلى بعض الدروس المستقاة من سنوات الحرب في أفغانستان. وشدّد على أنه "بدلاً من تولّي الأميركيين حراسة وديان أفغانستان، فقد كان الأنسب هو تدريب قوات أفغانية، من أجل اتخاذ زمام المبادرة، وهو ما تم بالفعل". ولفت أوباما إلى أنه "بدلاً من إرسال قوات برية كبيرة إلى الخارج، فإن التعاون يتم حالياً في إطار الشراكة مع دول من جنوب آسيا إلى شمال أفريقيا، لحرمان الإرهابيين من الملاذات الآمنة، التي ينطلقون منها لتهديد أميركا".

وتابع: "واجبي الأول كقائد أعلى للقوات المسلحة، هو الدفاع عن الولايات المتحدة، ومن أجل القيام بذلك فإن السؤال ليس ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتولّى زمام القيادة في العالم، وإنما كيف ستتولى ذلك". وأوضح أن "إدارته لن تندفع في اتخاذ قرارات متهورة، استجابة لعناوين الأخبار الرئيسية بدلاً من تحكيم العقل".

وفسّر ذلك بالقول "عندما يكون رد الفعل الأول لأي تحدّ يواجهنا هو إرسال قواتنا العسكرية لمواجهته وإهمال الخيارات الاستراتيجية الأخرى، فنحن نخاطر بالغرق في وحل الصراعات العبثية، وهذا ما يريده أعداؤنا لنا".
وأعرب أوباما عن اعتقاده بأن "هناك نوعاً آخر من الأساليب القيادية الأكثر فطنة وحكمة، وهي التوفيق بين القوة العسكرية والدبلوماسية القوية". وذكر أنه "بإمكاننا استثمار قوتنا في بناء التحالفات، مع عدم ترك مخاوفنا تحجب عنا الفرص التي يمثلها القرن الجديد". وشدد على أن "ما يجمع الأميركيين مع الجميع في كل أنحاء العالم، خطر واحد يستهدفهم من مدارس باكستان إلى شوارع باريس"، معلناً تعهّده بـ"مطاردة الإرهابيين وتفكيك شبكاتهم في كل مكان".

وفي الوقت الذي تحدث فيه أوباما عن "العمل الجماعي ضمن التحالفات الدولية لمكافحة الإرهاب"، أكد أن "ادارته ستحتفظ لنفسها بالحق في التصرف من جانب واحد، لملاحقة الإرهابيين الذين يشكلون تهديداً مباشراً لنا أو لحلفائنا". وقوبلت هذه العبارة بالتصفيق الحار من الجمهوريين، الذين لوحظ عزوفهم عن الوقوف أو التصفيق خلال الفقرات المتصلة بالسياسات الداخلية.

لكن أوباما وعندما وصل في خطابه إلى الفقرة المتعلقة بتنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش)، عاد مرة أخرى إلى نغمة "سياسة التحالف الذكية، والعمل عن طريق شركاء". وذكر في هذا الصدد أن "الدول العربية تشارك في الحرب على داعش، وسيتم تدمير التنظيم في النهاية".

وكان لافتاً تجاهل أوباما رئيس النظام السوري بشار الأسد في خطابه، حتى إنه عندما تحدث عن تدريب المعارضة السورية المعتدلة، ركّز على أن "التدريب يأتي في اطار الجهود ضد التنظيمات المتطرفة ذات الأيديولوجية المفلسة، لتساعد المعارضة السورية على مواجهتها".

وعلى الرغم مما أبداه من حرص في خطابه على عدم جرّ القوات الأميركية إلى مستنقع مواجهات جديدة على الأرض، فقد دعا أوباما أعضاء مجلسي الكونغرس، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إلى "إظهار وحدة الأميركيين، عن طريق تمرير قانون يجيز استخدام القوة ضد داعش".

وفي الوقت الذي أكد فيه نجاح سياسة عزل وحصار روسيا، بقوله إن "الاقتصاد الروسي أصبح في حالة يرثى لها"، سخر من السياسة عينها التي اتُبعت مع كوبا لأكثر من خمسين عاماً، وطالب الكونغرس بـ"سنّ تشريعات لإنهاء الحصار على الجزيرة".

وبما يتعلق بإيران، هدّد أوباما في خطابه بـ"استخدام حق النقض الدستوري"، الذي يخوّله إفشال أي مشاريع عقوبات يتبنّاها الكونغرس ضد إيران، من الآن وحتى الربيع المقبل. وبرّر أوباما هذا التهديد، بأن "التفاوض قائم على أمل التوصّل لاتفاق شامل يمنع إيران من التسلّح النووي، ويؤمّن الحلفاء، بمن فيهم إسرائيل، ويُجنّب الولايات المتحدة خوض صراع آخر في الشرق الأوسط".

وأضاف أن "فرض عقوبات جديدة من الكونغرس على إيران أثناء سير المفاوضات، سيؤدي إلى استعداء حلفاء أميركا، ويجعل من الصعوبة ضمان عدم استئناف إيران للجانب العسكري من برنامجها النووي". وحذّر قائلاً إن "الشعب الأميركي يتوقع منا أن نذهب إلى الحرب فقط كملاذ أخير، ولهذا لن أتردد في الاعتراض على أي مشروع قانون جديد يتضمن عقوبات على ايران". مع العلم أن أوباما، ذكر عدم وجود ضمانات بامكانية نجاح المفاوضات مع ايران، مؤكداً على "ابقاء جميع الخيارات على الطاولة، لمنع ايران من التسلّح نووياً".

كما تطرّق في خطابه، إلى أهم التحديات الجديدة، وهو "أمن شبكات الانترنت"، فطمأن الأميركيين، على أنه "لا ينبغي أن تكون هناك دولة أجنبية، أو قراصنة، قادرين على إغلاق شبكاتنا، وسرقة أسرارنا التجارية، أو غزو خصوصية العائلات الأميركية، تحديداً أطفالنا".

وطلب أوباما من الكونغرس تمرير تشريع خاص، لم تُعرف تفاصيله بعد، يهدف إلى تسهيل إجراءات المواجهة ضد من يقف وراء الهجمات والجرائم الالكترونية، ويعمل على حماية المعلومات. كما تطرّق لخطر الأوبئة، وعلى رأسها فيروس "ايبولا" والحاجة إلى تحالفات دولية صحية لمواجهته. ومرّ على مشكلة التغيّر المناخي، وجهود تنويع مصادر انتاج الطاقة، والتعاون مع الصين في مجالات شتّى، إلى جانب ملف حقوق الانسان، في العالم وفي الولايات المتحدة ذاتها".

وقال في هذا الشأن "كأميركيين، يجب أن نحترم كرامة الإنسان، حتى في الوقت الذي نواجه فيه تهديدات، ولهذا يُحظّر التعذيب لدينا". وفي تغيّر لافت فيما يتعلق باستخدام الطائرات من دون طيار، قال أوباما "لقد عملت على التأكد من أن استخدامنا للتكنولوجيا في تلك الطائرات مقيّد بشكل صحيح".

وفي الوقت الذي استنكر فيه ظاهرة "معاداة السامية"، التي رأى أنها عادت لتنمو مجدداً في أجزاء معينة من العالم، فقد استنكر أوباما كذلك الصور النمطية المسيئة للمسلمين، قائلاً إن "الغالبية العظمى من المسلمين تشارك العالم الالتزام بالسلام".

وأفاد بأن "التزام ادارته بالدفاع عن حرية التعبير والسجناء السياسيين وإدانة اضطهاد المرأة والأقليات الدينية والمثليين والمتحولّين جنسياً". وحتى يُرضي الأعضاء الجمهوريين المحافظين، بما يتعلق بالمثليين، فقد قال "نحن نمنح هؤلاء حرياتهم، ليس فقط لأنه الفعل الصحيح، ولكن لأنه الفعل الذي يجعلنا أكثر أماناً".

وتكمن الأهمية التاريخية لخطاب "حال الاتحاد"، في أن الأميركيين يعتبرونه بمثابة "تقرير إحاطة سنوي" شامل عن وضع بلادهم، وتوجّهات رئيسهم. ويفرض الدستور الأميركي على الرؤساء تقديم الخطاب للكونغرس في كل 20 يناير/كانون الثاني من كل عام، ويتمّ استعراض برنامج عمل السلطة التنفيذية لعام كامل فيه، ويشمل كافة جوانب السياسة الخارجية والمحلية.

وتنصّ الفقرة الثالثة من المادة الثانية في الدستور الأميركي، على أنه يتعين على الرئيس "تزويد الكونغرس من وقت لآخر، بمعلومات عن حال الاتحاد، ويترك له أمر دراسة توصياته بالإجراءات التي اتخذها. وله في ظروف استثنائية، أن يدعو كلا المجلسين (الشيوخ والنواب)، أو أيا منهما، إلى الانعقاد. وفي حال حدوث خلاف بينهما بالنسبة إلى موعد إرجاء الجلسات، فله أن يرجئها إلى الموعد الذي يراه ملائماً. وعليه أن يستقبل السفراء والوزراء المفوضين، كما عليه مراعاة تنفيذ القوانين بإخلاص وأن يشمل بتكليفه جميع موظفي الولايات المتحدة".

وجرى التقليد السنوي، في أن يلقي الرئيس الخطاب في مبنى الكابيتول، كما جرت العادة أن يحظى مواطنون أميركيون حققوا إنجازات عدة، بشرف الجلوس إلى جانب السيدة الأولى خلال الخطاب. وقد اختار أوباما من بين المدعوين هذا العام سيدة من ولاية كولورادو، نجحت في توسيع نشاطها التجاري في اطار "برنامج القروض لدعم المشروعات الصغيرة"، ورجلاً عسكرياً من ولاية أوهايو، كان قد فقد ساقيه في الحرب بأفغانستان. وغالباً ما يستخدم معدّو الخطاب هؤلاء الضيوف لتجسيد بعض من المفاهيم والأفكار، التي يتم تسليط الضوء عليها في الخطاب.

وكانت خطابات "حال الاتحاد" تُسمّى سابقاً "الرسائل السنوية"، وتعود أول "رسالة سنوية" أو "خطاب حال اتحاد" إلى عهد الرئيس الأميركي الأول جورج واشنطن، الذي ألقى خطاباً في عام 1790 أمام الكونغرس في مدينة نيويورك، التي كانت العاصمة المؤقتة للولايات المتحدة، وأطلق على الخطاب "الرسالة السنوية الأولى"، ثم تبعه الرئيس الثاني جون آدامز.

أما الرئيس الثالث للبلاد، توماس جيفرسون، فقد كان يجيد الكتابة أكثر من اجادته للخطابة، فبعث إلى الكونغرس برسالة "حال الاتحاد" خطياً، وحذا حذوه الرؤساء اللاحقون على مدى أكثر من قرن من الزمان. وتضمنت تلك الرسائل مشاريع القوانين التي يرغب الرؤساء في سنّها واقرارها، كما تضمنت شروحاً مستفيضة للوضع الدولي، ومكانة الولايات المتحدة في العالم.

وتسنّى للرئيس ابراهام لنكولن، من خلال معاصرته للحرب الأهلية الأميركية، التي هددت الاتحاد الأميركي أكثر من غيرها، كتابة أبلغ الرسائل إلى الكونغرس. ففي عام 1862 كتب لينكولن "إننا حين نمنح الحرية للعبيد نضمن الحرية للأحرار، فهما صنوان في الاحترام فيما نعطيه وما نصونه".

ووفقاً لموقع وزارة الخارجية الأميركية، فإن حلول عصر الإذاعة دفع الرئيس وودرو ويلسون عام 1913، إلى تغيير تقليد الرسائل بالعودة إلى الخطابة العادية. وبحلول العام 1945، أصبحت الرسالة الرئاسية السنوية، تُعرف رسمياً بخطاب "حال الاتحاد".

ومع تزايد مبيعات أجهزة التلفزيون في الخمسينيات، غيّر الرئيس ليندون جونسون موعد إلقاء الخطاب التقليدي من الظهيرة إلى المساء، لإتاحة المجال لجمهور أكبر من الناس لمشاهدته. أما الردّ التقليدي على الخطاب فقد نشأ عام 1966، عندما أدلى نائبان جمهوريان في الكونغرس، كان أحدهما جيرالد فورد الذي أصبح رئيساً لاحقاً، بالرد الجمهوري على خطاب جونسون.

وتزامن خطاب العام الحالي مع استطلاع للرأي، تسلّح به أوباما قبيل مخاطبته أعضاء الكونغرس، وأبدى فيه أغلبية الأميركيين ثقتهم في طريقة تعامله مع المشاكل المهمة، أكثر من ثقتهم بقدرة الجمهوريين على مواجهتها.
ووصلت نسبة التأييد إلى 50 في المائة، وهو أعلى مستوى وصل إليه تأييد الرأي العام الأميركي لأوباما، منذ تدهور شعبيته تدريجياً طوال العامين الماضيين. ونُشرت نتائج الاستطلاع قبل يوم واحد فقط، من إلقاء الخطاب في صحيفة "واشنطن بوست" وبثته شبكة "أي بي سي نيوز".

ويرجع ارتفاع شعبية أوباما، على ما يبدو، إلى تحسّن الوضع الاقتصادي، الذي رافقه عامل آخر غير مباشر، خدم أوباما، وهو الانخفاض الحادّ في أسعار المشتقات النفطية. وساهم ذلك في تأكيد ما ذهب إليه الرئيس الأميركي سابقاً، وهو أن "أحد أكبر العوامل في استعادة المزيد من فرص العمل، هو التزام ادارته بأن تكون مصادر الطاقة أميركية ومنتجة من مصادر متنوّعة". وجزم قائلاً إن "أميركا اليوم أقرب ما تكون إلى الاستقلال في مجال الطاقة، عما كانت عليه منذ عقود".

المساهمون