أنفاق غزة: متنفس القطاع الذي يخنقه الجيش المصري

أنفاق غزة: متنفس القطاع الذي يخنقه الجيش المصري

21 فبراير 2015
الأنفاق ساهمت في فك الحصار عن غزة (فرانس برس)
+ الخط -

شكّك مراقبون وخبراء عسكريون وأمنيون مصريون، في قدرة الجيش المصري على حسم معركته مع التنظيمات المسلحة في شبه جزيرة سيناء على المدى القريب والمتوسط، مؤكدين أن الهدف الرئيس من عمليات الجيش المصري، بالقضاء على جماعة "ولاية سيناء"، لن يتحقق لعوامل متعددة، لكنّ هدفاً آخر ربما يتحقق، هو هدم وتدمير الأنفاق بين قطاع غزة المحاصر ومصر.

البداية

استلهم الفلسطينيون فكرة الأنفاق من أنفاق "الفيت كونغ"، وهي تلك التي حفرها مقاتلو الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام، خلال حرب تحريرها من قبضة الولايات المتحدة الأميركية، وهي فكرة بدأت أيضاً لقيام زيارات بين عائلات رفح المصرية وأقاربهم داخل رفح الفلسطينية، فالرابط الاجتماعي والعائلي بين أبناء المدينتين ساعد في سرية حفر الأنفاق.

تم اكتشاف أول نفق من قِبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1983، أي بعد أربعة أعوام من اتفاقية كامب ديفيد، وهي الاتفاقية التي يرى العديد من الباحثين، أنها كبّلت مصر وعزلتها عن القضية الفلسطينية والصراع العربي، وحيّدتها تحييداً كاملاً، وهذا ما أعطى قوة للاحتلال على كل الجبهات الشرقية والغربية والشمالية، بعد تأمين الجبهة الجنوبية مع أكبر دولة عربية.

واستغل الاحتلال هذه الاتفاقية لمحاولة تصفية القضية الفلسطينية، فلا مجال لفتح معبر رفح من دون تنسيق إسرائيلي، ولا مجال لحركة تجارة بين مصر وفلسطين، وأصبحت الحدود المصرية الفلسطينية تحت سيطرة إسرائيلية، مع الإبقاء شكلياً على التواجد المصري المحدود والمشروط والمكبل، وفقدان السيادة الحقيقية.

فالحصار الحقيقي بدأ بعد هذه الاتفاقية التي رعتها الولايات المتحدة الأميركية، ومن هنا بدأت فكرة الأنفاق، فقطاع غزة تاريخياً تبع إدارة الدولة المصرية في بعض فترات الصراع العربي- الإسرائيلي، لكن الأنفاق في تلك الفترة كانت محدودة، وكانت إسرائيل تحاول السيطرة عليها وهدمها، على الرغم من أنها عند بدايتها كانت عبارة عن أنفاق صغيرة تُستخدم لتهريب السجائر والذهب، ولا تتحمل تهريب البضائع الكبيرة، فيما كان الاحتلال متخوفاً عند ظهورها من تهريب الأسلحة للمقاومة الفلسطينية.

وفي بداية انتفاضة الأقصى عام 2000، بدأت الأنفاق تأخذ منحى آخر، وهو تهريب السلاح لفصائل المقاومة، وازداد عددها وتوسع نشاطها، وعمل العدو الصهيوني مع بداية الانتفاضة على تفجيرها، لكن ذلك لم يمنع من مواصلة العمل بها، بل استمرت وتواصلت من دون توقف، وعملت فصائل المقاومة على حفر العديد منها.

مناطق الانتشار

يبلغ طول الشريط الحدودي من البحر غرباً حتى كرم أبوسالم شرقاً حوالى 13 كيلومتراً، وغطّت الأنفاق 8 كيلومترات من هذا الشريط، وهي تمتد من تل زعرب غرباً حتى نهاية منطقة الجرادات شرقاً، أي شرق معبر رفح. وتتميز هذه المنطقة بأن التربة بها طينية وتصلح لحفر الأنفاق. وتنتهي الأنفاق بعمق 1500 متر داخل مدينة رفح، أي في الأحياء المجاورة للحدود مع قطاع غزة، وهذه المنطقة تحت سيطرة قوات حرس الحدود المصرية، وتوجد فيها مكاتب للاستخبارات العامة والحربية.

ومع بداية الحصار المفروض على قطاع غزة عام 2009، بدأت الأنفاق تنمو بشكل كبير، وأصبحت تُستخدم لتهريب المواد والسلع الغذائية بأنواعها المختلفة، والمواد البترولية، وأيضاً السلاح للمقاومة، وهو ما أثر بشكل كبير في فك الحصار عن قطاع غزة المحاصر.

ويُعتبر مدير الاستخبارات المصرية، السابق اللواء عمر سليمان، هو مهندس الأنفاق. وعملت الاستخبارات المصرية وقتها على المساعدة في تطوير الأنفاق لأهداف سياسية سعى إليها النظام المصري السابق، ومنها الخوف من تجويع قطاع غزة، وكسياسة ممنهجة لعزل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وكذلك كورقة ضغط على إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لتحقيق مكاسب سياسية ومادية في الداخل المصري الملتهب سياسياً وقتها لرفض توريث الحكم. وكانت الاستخبارات المصرية تعلم حينها بوجود معظم الأنفاق وتُشرف عليها، بل ساعدت في استيراد ماكينات للحفر بمساعدة منسّق العلاقات الليبية المصرية أحمد قذاف الدم.

وبدأت عمليات التهريب تتّسع وتزداد حجماً، وأصبحت الأنفاق تُشكّل منطقة تجارية تُقدّر التجارة فيها بحوالى ثلاثة مليارات دولار سنوياً، ولكنها كانت محصورة في مجموعة محددة من المهرّبين المرتبطين بأجهزة سيادية، وتهدف إلى الربح المادي، إلى درجة قيام صراع بين المنتمين لهذه الأجهزة بسبب هذه الشراكة؛ فمعظم القيادات جنت الملايين من عمليات التهريب والشراكة المسماة بـ"التنسيق الأمني"، حتى وصل الأمر إلى البحث عن واسطة للعمل في مدينة رفح التي توجد فيها الأنفاق. وكانت هذه المنطقة مغرية وبمثابة الدجاجة التي تبيض ذهباً. وساعدت الأنفاق على خفض نسبة البطالة في مدينة رفح، وأحدثت انتعاشاً اقتصادياً محدوداً لدى الشباب العاطل عن العمل.

ويُعدّ المستفيد الأكبر من عمليات التهريب، هم الرؤوس الكبيرة من عائلات رفح، الذين يمثلون 5 في المائة فقط من نسبة السكان، أما غالبية المواطنين فالأنفاق كانت بمثابة فرص عمل تساعد في رفع الفقر عنهم، بسبب الإهمال المتعمد من قبل الدولة.

هذا بالنسبة للتجارة العادية، أما تهريب الأسلحة والذخائر، فكانت الاستخبارات شكلياً تسمح به وتقول للشباب الجهادي السلفي ادعموا إخوانكم المجاهدين في غزة، وتعطي في الخفاء التعليمات إلى أمن الدولة بالقبض عليهم، بعد فقدان السيطرة على بعض عمليات التهريب للأسلحة والتي ازداد حجمها ونوعها، فشنّت قوات الأمن المصرية العديد من الاعتقالات بتهمة تهريب الأسلحة. واستمر هذا الحال حتى ثورة يناير 2011 المصرية.

ويبلغ عدد الأنفاق أكثر من 1200 نفق، قام الجيش المصري بهدم 950 منها حتى الآن، وهو ما أثّر بشكل كبير على قطاع غزة المحاصر وعلى معاناة المواطنين هناك، وخنقهم بشكل كامل ولأول مرة.

يُذكر أنه في عام 2010، حاول نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك إنشاء جدار فولاذي لإغلاق الأنفاق بعد تطور المقاومة الفلسطينية غير المتوقع والمحسوب، وكان يرى النظام وقتها خطورة الاستمرار في العمل بالأنفاق، وقطع خط الإمداد عن المقاومة نهائياً.

أنفاق للسلع وأخرى عسكرية

توجد أنفاق معروفة لتهريب السلع الغذائية، فيما هناك أنفاق مختصة بالمقاومة والمعروفة بالأنفاق العسكرية.

أنفاق السلع الغذائية هي التي تُهرّب منها جميع المواد الخاصة بالمأكل والمشرب والسلع الربحية أيضاً، كما أنه تمر عبرها خراطيم لتهريب المحروقات. أما أنفاق المقاومة فهي محصّنة بشكل أكبر، وتُهرب منها الأسلحة والصواريخ.

ومن اللافت أنه كان للأجهزة الأمنية المصرية دور كبير في الأنفاق، إذ تورّط عدد كبير من قادة الأجهزة في شمال سيناء قبل ثورة يناير في هذا الموضوع، فكان المهرّبون يقومون بإعطاء مبالغ كبيرة لهؤلاء مقابل حماية الأجهزة الأمنية لهم وعدم ملاحقتهم، ومن كان يرفض إعطاء المبالغ كان يُزجّ به في السجن بتهمة كسر الحصار.