أنظمة تطالب بشعوبٍ جديدة

28 يناير 2017
+ الخط -
لم تعد الشعوب العربية قادرة على تغيير الأنظمة الديكتاتورية والمكونات السياسية التي تحكمها، وإن كانت الشعوب هي صاحبة السيادة المطلقة التي يجب أن لا تعتليها أي سلطة أخرى أو أي مكون ما، فهي (نظريا ودستوريا) الأب الشرعي في تحديد مصير الدولة، أو بقاء السلطة الحاكمة لها أو تغييرها بأخرى أكثر كفاءة وخبرة من قبل، إلا أن هذا بات غير ممكن اليوم، نظرا للتحولات الأخيرة.
هذه مجرّد حقائق منطقية يؤمن بها كثيرون من شتى فئات المجتمع، إلا أنّ الأمور أصبحت تتجه نحو منحدرات مخيفة، وتسلك مسارات عكسية تمامًا، أي أصبحت الحقيقة مقلوبة، فبعد أن كانت الشعوب صاحبة السيادة التي تحتكم إليها جميع الأنظمة في الدولة، لتأخذ شرعيتها، أصبحت الأنظمة وحدها اليوم من تقرّر مصير شعوب بأكملها، حتى وإن كان الشعب يخالف توّجهات الدولة وقراراتها المصيرية، وما تشهده الدول العربية من حالة نزاعات وخلافات حادة، بين المكونات السياسية الحاكمة ومن تحكمهم، وحالة الصراع المستمرة التي نعيش طقوسها يوميًا، لهي دليل كافٍ على أنّ الانظمة الديكتاتورية اليوم أصبحت قريبة جدًا من المطالبة بتغيير شعوبها واستبدالهم، من خلال نيران الحرب التي تأكل ضحاياها وتنسى مسببيها، فما تشهده اليمن من معارك طاحنة بين أطراف النزاع، دليل آخر، إذ أدت الحرب إلى موت كثيرين بداعي ولاءٍ وطني، لامس قلوب البسطاء من الشعب، فأكلت أرواحهم من دون رحمة، وأصبحت بعض المحافظات اليمنية مخيفة تمامًا بعد مواجهات واشتباكات عنيفة بين أطراف الصراع، حيث أصبحت معظم الحارات موطناً للأشباح والحيوانات الضالة، بعد أن كانت تنعم بالحياة، قبل أن تتحوّل إلى مقابر تحت روؤس ساكنيها، ودون أن نرى من هذه الأنظمة أيّ اتفاق سياسي ينهي مهزلة الحرب، بل زادت من تفاقم أوضاعهم وشد الخناق عليهم وتعسير صورة الحياة أمامهم، فمن لم يمت بقذيفة أو عيار ناري أو بضربة طائرة، مات وهو يبحث عن كسرة عيش يسد بها رمقه.
قد تكون سورية أيضًا أحد الصور الواضحة في ممارسة الأنظمة الديكتاتورية، فالنظام المنبوذ من الشعب يعمل على تغيير شعبه، وذلك ما رأيناه من حالة دمار هائل لأغلب المدن السورية التي كان لحلب نصيب الأسد من توّحش الأسد عليها، ومن النزوح الكلي لسكانها بعد أن فقدو عزيزًا عليهم أو حبيبًا.
تخافت صوت الشعب ووصوله إلى مرحلة من الإستكانة والخنوع، جعله يظهر بهذا الضعف الذي جعل منه لقمة للموت ووسيلة سهلة للإفتراس من دون أن يحاول الخروج لمنع عبثية السياسيين، والأنظمة التي تحكمها، بل ظلّ رهينًا للموت من دون أن يحدّد مصيره.
83CA8F36-948E-4EA4-8B59-8FE6B49C1AC4
83CA8F36-948E-4EA4-8B59-8FE6B49C1AC4
علي محي الدين منصر (اليمن)
علي محي الدين منصر (اليمن)