أم الأسير الفلسطيني في انتظار ما لا يأتي

أم الأسير الفلسطيني في انتظار ما لا يأتي

29 مارس 2014
صورة الأسير كريم يونس
+ الخط -

 

عصر يوم الثامن عشر من مارس/ آذار، يأتيني الصوت متهدجا ضعيفا عبر الهاتف: "سمعت أنها تأجلت، ولكن ليس لفترة طويلة. أنت بحكم عملك كصحفي هل لديك معلومات أنها تأجلت؟ متى سيخرجون؟"

كان على الجانب الآخر من الخط السيدة صبحيّة يونس (76عاماً) من قرية "عارة" في المثلث داخل الخط الأخضر، والتي حاولت في حديثها استدراجي لألقي على مسامعها ما لدي من أخبار حول مصير الدفعة الرابعة، والأخيرة، من قدامى الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، والمقرر أن يطلق سراحهم ليل السبت بموجب تفاهمات رعتها الولايات المتحدة لإعادة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لمائدة المفاوضات.

ربما كنتُ بالنسبة لها أملاً ولو ضعيفا، يبث في قلبها الملهوف طمأنينة مفقودة عن نجلها كريم يونس، المدرج ضمن قائمة الإفراج المنتظرة، بعد أن تردد أن إسرائيل نقلت إلى السلطة، عبر وسيط أميركي، رفضها الالتزام باطلاق سراح تلك الدفعة من الأسرى الفلسطينيين.

اعتراني الصمت لبرهة، قبل أن أجيبها: أنا أحدثكم كي أستقي معلوماتي منكم. هل أبلغكم أي مسؤول بتأجيل الإفراج عن كريم؟

وكالمخذولة أجابت "صبحيّة" بالنفي، وبصوت مختنق بالعبرات عدّدت كم مرة نسفت قرارات الساسة أملها في حرية ابنها المعتقل كريم. وقالت: "عام 1985 كان ابني واحداً من المقرر إطلاق سراحهم في صفقة التبادل التي أبرمها أحمد جبريل، الأمين العام للجبهة الشعبية - القيادة العامة، مع إسرائيل. حينها، وردنا أن كريم صعد إلى الحافلة وكان في طريقه إلى خارج المعتقل، إلا أنه استثني من الإفراجات في اللحظات الأخيرة".

أم كريم يونس قررت هذه المرة أن تلجم أملها، وبحزم لملمت دمعاتها وتحاملت على حزنها، وقررت الامتناع عن إجابتي بخصوص استعداداتها لاستقبال ابنها البِكر، الذي يقبع منذ 32 عاماً في السجن في حكم مؤبد، وأكدت أنها لن تقوم بأية ترتيبات ما دام ابنها وراء القضبان.

صمتت قليلاً، ولم تكن تدري أن سماعة الهاتف الذي يوصلني بها غير قادرة على حجب شهقاتها المتلاحقة، فعاجلتها: "ولكني علمت أنك قمت بشراء بعض الحاجيات له، أليس كذلك؟"

بكت صبحية مرة أخرى، وأجابت "بلى. أمرت بتجديد غرفة نوم كريم. اشترينا سريراً جديداً وخزانتين إحداهما صغيرة لتوضع بجانب السرير ومكتبة. وكذلك أحضرنا الهدايا والزينة لننثرها داخل المنزل".

"آخ.. آخ.. ما الذي سيحدث حين نلتقي؟ كيف سأتصرف عندما أرى خطواته الأولى متقدماً نحو المنزل؟ حتى في مخيلتي أعجز عن رسم تصورات لهذه اللحظات. الله وحده يعلم كيف سأبدو".

سألتها أن تكفّ عن البكاء، وأعلم أنني أطلب مستحيلا. قلت لها أن تحدثني عن حالتها الصحية لعلمي أنها ليست على ما يرام.

قالت: "أنا أعيش بكلية واحدة. وأجري عمليات جراحية الواحدة تلو الأخرى في ساقي، وأنا في سنّ متقدمة. صدقني كل هذا لا يهم. إن خرج حبيبي كريم ستعود لي الحياة".

أخذ الفرح يلوّن صوتها: "سأغني وأرقص حتى الصباح في احتفال كبير سأقيمه له. لا لن يكون احتفالاً فقط، سأنظم مهرجاناً بهذه المناسبة أدعو له كل الناس، إن دعوتك ستأتي، أليس كذلك؟".

شكرتها على نيّتها دعوتي، وقطعت لها عهداً ببذل كل جهدٍ مستطاع لتلبيتها إن تلقيتها. شكرتها أيضاً على الدقائق التي منحتني إياها لهذه المقابلة، نظرت إلى الساعة فإذا بعقارب الساعة أوشكت أن تصيب تمام السادسة مساء، موعد موجز الأخبار الفلسطينية الذي استهله المذيع بخبر مؤكد عن قرار حمله إلى الفلسطينيين الوسيط الأميركي مفاده أن إسرائيل لن تلتزم بإطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، المقرر ليل السبت،  
وجاءت ذكرى "يوم الأرض" وكريم لا يزال أسيرا وكذلك القدس .