أميركا في عيد استقلالها: 9 آلاف مجنس وغياب عربي

05 يوليو 2014
منح الجنسية لـ25 شخصاً خدموا بالجيش (جيم لو سكالزو/Getty)
+ الخط -
لم تعد الولايات المتحدة، بعد مرور نحو 238 سنة على إعلان استقلالها، تلك الدولة التي ترفض الاستعمار والتي تعتمد على اقتصادها الخاص، بل تحوّلت دولة استعمارية من جهة، وتعرضت للغزو الاقتصادي من جهة أخرى، خصوصاً من الصين. إلا أنه ورغم كل ذلك، لا تزال أرضاً جاذبة للهجرة.

وفي هذا الإطار، انضم تسعة آلاف مقيم في الولايات المتحدة إلى نحو 320 مليون أميركي، وحصلوا على الجنسية في مراسم أقيمت خلال الاحتفال بعيد الاستقلال الأميركي. واعتبر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، اليوم الجمعة، أن "استقبال المهاجرين كامن في التركيبة الموروثة للولايات المتحدة"، التي تواجه اليوم تدفقاً كبيراً للمهاجرين غير الشرعيين. ودعا إلى "إصلاح نظام هجرة متعثر".

ولفت خلال احتفال لتجنيس 25 عسكرياً من المقاتلين القدامى أو زوجاتهم، أثناء مشاركته في العيد الوطني الأميركي، في البيت الأبيض، إلى أن "فكرة استقبال المهاجرين عندنا هي في صميم وجودنا، إنها في تركيبتنا الموروثة". وتابع "إذا كنا نريد مواصلة جذب المتميزين من وراء حدودنا، علينا أن نصلح نظام الهجرة المتعثر لدينا".

وقال "إن القدوم إلى هنا، واستحداث فرص عمل هنا، وإغناء اقتصادنا هنا، لا يجب أن يكون أكثر صعوبة بالنسبة للمتميزين (من المهاجرين). يجب أن نجعل ذلك أكثر سهولة. لذلك أواصل العمل لجعل نظامنا للهجرة أكثر فعالية".

وكان أوباما اتهم قبل أيام الجمهوريين في الكونجرس بـ"عرقلة" إصلاحه نظام الهجرة الذي يضع شروطاً صعبة للغاية، وإجراءات إدارية طويلة أمام إمكانية إعطاء الجنسية للمهاجرين السريين غير الشرعيين. كما يتضمن الإصلاح، تسهيل منح الجنسية لأطفال المهاجرين غير الشرعيين مقابل تعزيز الرقابة على الحدود المكسيكية.

وينتمي أعضاء المجموعة الـ25 إلى عرقيات مختلفة، ولكن ليس بينهم أي عربيّ، الأمر الذي يمكن اعتباره مؤشراً على عزوف العرب عن اتخاذ الانضمام إلى الجيش طريقاً للحصول على الجنسية الأميركية.

وذكرت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن "المجموعة تتألف من 15 جندياً يتوزعون على الجيش ومشاة البحرية والقوات الجوية، واثنين ممن أنهوا الخدمة في القوات المسلحة، وعنصرٍ واحدٍ من قوات الاحتياط، وسبعة من الأزواج أو الزوجات".

وأدى الأميركيون الجدد قسم الولاء للعلم الأميركي، في وقت كان آخرون يرفعون أعلاماً أميركية، من المفارقات أنها مصنوعة في الصين، فيما أطلقت ألعاب نارية مستوردة في معظمها من الصين. بل ومن المفارقات أيضاً، أن الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ بداية القرن الجديد، تنفق أموالاً طائلة، استدانتها من الصين من أجل الحفاظ على الاستقلال الذي يحتفل الأميركيون به اليوم.

واستوردت الولايات المتحدة العام الماضي فقط، من الصين، طِبقاً لإحصاءات رسمية، ما قيمته 208 ملايين دولار، ثمناً لأعلام تُرفع في مناسبات وطنية أميركية متعددة، وألعاب نارية تطلق في ذكرى الاستقلال على وجه التحديد. وهاتان مجرد سلعتين من ضمن آلاف السلع الصينية التي تغزو الأسواق الأميركية كل يوم بل كل ساعة وكل دقيقة.

ومن المفارقات التاريخية، أن وثيقة الاستقلال الأميركية أوردت قائمة طويلة من الممارسة السيئة للاستعمار البريطاني التي أوجبت إعلان التحرر منه، ومن ضمنها إرسال جيوش جرارة من الجنود المسلحين إلى الولايات الأميركية وحمايتهم من العقوبة عن أي جريمة قتل يرتكبونها ضد سكان هذه الولايات. وهذا ما تفعله الولايات المتحدة بالضبط حالياً خارج أراضيها.

ولكن الأمر الذي يُجمع عليه معظم المؤرخين في العالم، هو أن العقل المدبر لصياغة وثيقة الاستقلال توماس جيفرسون، الذي أصبح لاحقاً الرئيس الثالث للدولة الأميركية، لم يكن من أهدافه تحويل بلاده إلى دولة استعمارية، بل كان جلّ هدفه هو التحرر من الاستعمار.

ويبقى القول إنه وبالرغم من خروج الأحفاد في تعاملهم مع غيرهم عن المبادئ التي رسمها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة، ورغم التدهور الاقتصادي وجبال الديون التي ترزح تحتها حكومة بلادهم، ورغم أن المواطن الأميركي أصبح يتذمر من شراء الصين كل شيء في أميركا وامتلاك أسواقها، فإن الولايات المتحدة ما زالت بقعة جاذبة للهجرة، وما زال طالبو الإقامة والتواقون للحصول على المواطنة الأميركية يتوافدون على مكاتب الهجرة والتجنيس كل يوم.

ومن نتائج وأعباء جاذبية الحلم الأميركي لمن هم خارج الأراضي الأميركية، وجود أكثر من خمسين ألف طفل حالياً في ملاجئ قرب الحدود الأميركية مع المكسيك. هؤلاء الأطفال أرسلتهم أسرهم عبر عصابات التهريب لإدخالهم عبر الحدود الأميركية، حماية لهم من أوضاع مزرية تعانيها أسرهم في بعض دول أميركا اللاتينية، وطمعاً منها في إنقاذ أبنائها الصغار، لعلمهم أن القوانين والمبادئ التي تأسست عليها الولايات المتحدة، تُحرّم ترحيل الأطفال وتضمن تعليمهم وتطبيبهم مجاناً، مهما كانت صفة وجودهم داخل الأراضي الأميركية.

ولكن السؤال المطروح حالياً بين المشرّعين الأميركيين أنفسهم، هو هل يتم الحفاظ على المبادئ الأميركية وتحمّل عبء هؤلاء الأطفال، أم أنه يتحتم على أحفاد، جيفرسون، أن يتحايلوا على المبادئ التي سنّها لهم؟

من غير المعروف ما الذي ستتخذه براغماتية، أوباما، من إجراءات على أرض الواقع. ولكن الشيء المعروف هو أن، أوباما، يتخذ من، جيفرسون، مرجعاً ومعلماً له، ولكنه أيضاً كثيراً ما يتحايل على مبادئ معلمه، ربما بنفس الدرجة التي تحايل فيها، جورج بوش، على مبادئ، جورج واشنطن.