أميركا في زمن ترامب

أميركا في زمن ترامب

01 فبراير 2017
+ الخط -
لم يتردّد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في ترجمة شعاراته إلى أفعال منذ اليوم الأول الذي تلا حفل التنصيب عبر توقيعه سلسلة من القرارات التنفيذية، محاولة منه لإحداث قطيعةٍ مع فترة الديمقراطيين، وإعادة رسم للملامح الجديدة التي سيبدو عليها وجه القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى في العالم، في أفق الأربع سنوات أو الثماني المقبلة، مدشناً بذلك فترة جديدة ستعرفها الولايات المتحدة الأميركية لا محالة.
من القرارات التي اتخذها ترامب، أنّه ألغى قانون الرعاية الصحية الذي كان يستفيد منه ملايين  الأميركيين، ووقع قرارا تنفيذيا يقضي بمنع المهاجرين من بعض الدول العربية والإسلامية من دخول أراضي الولايات المتحدة، وتعطيل العمل ببرنامج استقبال اللاجئين السوريين مدة محددة، فضلاً عن اعتزامه بناء الجدار الحدودي العازل مع المكسيك، وبتمويل من الأخيرة، واعتزامه إعادة بناء القوات المسلحة، بالإضافة إلى اعتزامه نقل السفارة الأميركية إلى القدس وإحداث مناطق آمنة في سورية، ومطالبته الشركاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي بضرورة الدفع والمساهمة مقابل الحماية في رسالة تحمل في ثناياها أكثر من معنى، من دون أن يتردّد في انتقاد المنظمة التي وصفها "المبتذلة". ويأتي ذلك كله في وقت تتسم فيه علاقة الحلف مع روسيا بقدر كبير من التوتر، لا سيما في البلقان ودول البلطيق، والتلويح بإلغاء الاتفاق النووي الإيراني، وإعلانه الحرب على ما سماه "الإرهاب الإسلامي الراديكالي".
وفي ما يخص الشق الاقتصادي، لا تبدو سياسة دونالد ترامب الجديدة أقل إثارة للجدل، حيث يعتزم البيت الأبيض انتهاج سياسةٍ أكثر حمائية عبر التلويح بإعادة النظر في اتفاقيات دولية كثيرة.
لكن الأمر يبدو أكثر تعقيداً منه في ما يتعلق بالتجارة مع الصين، القوة الاقتصادية الثانية في العالم، والتي بلغ حجم ناتجها المحلي الإجمالي نحو 11.38 ترليون دولار، بحسب تقرير أعده البنك الدولي سنة 2014، حيث تعتزم إدارة ترامب فرض مزيد من القيود الجمركية على الواردات الصينية، في مقابل تحفيز الشركات الوطنية على تشغيل مزيد من الأميركيين وتشجيع المنتج الوطني، كما من الممكن أن يمارس مزيداً من الضغوط، في سبيل تطويع الصين ودفعها إلى القبول بإعادة التفاوض حول اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين عبر اللعب بورقة تايوان، أو الاعتراف بمبدأ الصين الواحدة والتلويح بورقة الوجود الأميركي ببحر الصين الجنوبي.
وبخصوص قضايا البيئة والمناخ، فقد أقدم ترامب على تعيين أحد أكثر المناهضين لمكافحة الاحتباس الحراري (سكوت برويت) على رأس وكالة حماية البيئة، كما لم يخفِ البيت الأبيض اعتزامه التخلص من خطة العمل بشأن المناخ التي وضعها الرئيس باراك أوباما وغيرها من المبادرات الأخرى، ولا سيما ذات الصلة باتفاقية باريس للمناخ، ومعلناً، في الوقت نفسه، عن ميوله تجاه تعزيز إنتاج النفط والغاز الأميركيين، وتسهيل استغلال الزيت الصخري، بل وحتى الفحم الحجري والطاقة الأحفورية بشكل عام، ضارباً بذلك عرض الحائط بسياسة أوباما المعتمدة على تشجيع الطاقات المتجددة.
يبدو المشهد اليوم أقرب إلى سيناريو ثلاثينيات القرن الماضي، وما قبلها في ظل المخاوف من انتشار حمى الشعبوية والمخاوف من وصول الأحزاب اليمينية إلى سدة الحكم في أوروبا، حيث انتهجت دول أوروبية كثيرة سياسات اقتصادية حمائية، وسادت النزعات المائلة نحو الانغلاق والشعبوية، وغابت قيم التسامح مع الآخر في مقابل النزوع نحو الهيمنة ورفع الشعارات المتطرّفة والقومية، ما أدى، في المحصلة، إلى نتائج كارثية على المستوى الاقتصادي، كالكساد الكبير لسنة 1929، الشيء الذي مهّد الطريق نحو صعود تيارات فاشية ونازية، أدت، في نهاية المطاف، إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، فهل سيكرّر التاريخ نفسه، هذه المرة، وتدخل معه الولايات المتحدة، وباقي دول العالم، مرحلة من عدم الاستقرار؟ وهل تتحقق نبوءة نعوم تشومسكي التي تعتبر صعود ترامب بمثابة "حصيلة طبيعية لمجتمع متداع وماض بقوة نحو الانهيار"، أم أنّ قبطان سفينة "أميركا القوية" لديه ما يكفي من الحنكة، لكي يعبر بها نحو بر الأمان، وسيتمكن، في نهاية المطاف، من تكذيب كل التكهنات؟
25655407-3024-4761-A6DF-74CC3D115127
25655407-3024-4761-A6DF-74CC3D115127
خالد التاج (المغرب)
خالد التاج (المغرب)