ألغام تهدد الحكومة اللبنانية: سلاح حزب الله وإعلان بعبدا

16 فبراير 2014
+ الخط -
احتاج تمام سلام أحد عشر شهراً وثلاثة أيام لتأليف حكومة يُفترض أن تعيش ثلاثة أشهر وعشرة أيام. مفارقة غريبة. عمر الحكومة القصير هذا لا يلغي واقع أن أمامها تحديّات كبرى. تحديات ربما لم يسبق أن عاشتها حكومات تسلّمت السلطة التنفيذية لسنتين أو ثلاث.

التحدي الأول والأبرز لهذه الحكومة هو صياغة البيان الوزاري. الاختلافات أساسيّة بين مكونات الحكومة. أبرز هذه الاختلافات هو موضوع سلاح حزب الله، وقد استخدمت الحكومات السابقة الصيغة التالية لتبرير بقاء سلاح حزب الله خارج أي مساءلة: "الجيش والشعب والمقاومة". قوى الرابع عشر من آذار تُجاهر برفضها لهذه الصيغة. وقد نصّ الاتفاق الذي سبق تشكيل الحكومة، على تأجيل بحث هذا الموضوع إلى ما بعد التأليف. تقول مصادر سياسيّة إن "اللغة العربيّة غنيّة، ويُمكن الوصول إلى صيغة تُرضي الجميع". هذا النوع من الحلول يعني أن كلّ طرفٍ سيحمل تفسيره الخاص لها. إحدى الصيغ التي كانت مطروحة للنقاش تقول: "الجيش والشعب وتُساندهما المقاومة عند الحاجة". من يُقرر الحاجة؟ لا أحد يعرف.

البند الثاني الخلافي في البيان الوزاري، هو إعلان بعبدا ( http://ar.wikipedia.org/wiki/إعلان_بعبدا_(2012) ). هل سيتضمّن البيان إعلان بعبدا أم لا؟ خصوصاً بعدما تبنّت "وثيقة بكركي" هذا الإعلان كاملاً، واعتبرت أنه يجب أن يكون جزءاً من خطاب القسم لرئيس الجمهوريّة المقبل. وكما هو معلوم، فإن "إعلان بعبدا" ينص على نأي لبنان عن الصراعات الإقليميّة، وتحديداً الصراع في سوريا. هل سيقبل حزب الله بندا كهذا؟ وهل يُمكن لـ "العونيين" (تيار العماد ميشال عون)  مجاراة حزب الله في رفض ذكر هذا البند؟

تبني "إعلان بعبدا" في البيان الوزاري، في حال حصل، يعني أن هناك تبدلات إقليميّة كبرى تجري، وأن حزب الله يُريد التمهيد لها، ويضع قتاله في سوريا على طاولة النقاش. وفي حال إصرار حزب الله الكبير على رفض هذا البند، فهذا يعني أن حزب الله لم ولن يضع مشاركته في القتال في سوريا إلى جانب النظام على طاولة البحث.

البند الثالث الذي سيكون مطروحاً للنقاش هو مطالبة حزب الله بذكر محاربة الإرهاب ضمن مهام هذه الحكومة. لا يبدو ان تيّار المستقبل يُمانع بهذا الأمر، خصوصاً مع كلمة الحريري الأخيرة التي قال فيها إن تيار المستقبل، "وإن كان لا يُريد أن يكون على صورة حزب الله، فهو لا يُريد أن يكون على صورة داعش والنصرة (الدولة الإسلاميّة في العراق وسوريا، وجبهة النصرة)".

المهمّة الثانية أمام هذه الحكومة، ستكون التحضير السياسي لانتخابات رئاسة الجمهوريّة. وتنتهي ولاية الرئيس الحالي ميشال سليمان في أيار/مايو المقبل. كما أن مجلس النواب سيُصبح هيئة ناخبة لانتخاب رئيس جديد في 25 آذار/مارس. وإن كانت الحكومة في لبنان غير مسؤولة عن انتخاب الرئيس مباشرة، لكنها تستطيع تأمين الظروف السياسيّة والأمنيّة المناسبة لهذا الأمر. كما أن أي تعديل للدستور بهدف التمديد للرئيس الحالي، أو انتخاب قائد الجيش جان قهوجي رئيساً (من الأسماء المطروحة جديّاً)، يجب أن يصدر عن الحكومة بثلثي أعضائها.

المهمّة الثالثة أمام هذه الحكومة، هي بدء وضع أسس قانون انتخاب جديد، لانتخاب مجلس نواب، غير هذا الممدَّد له، والذي تنتهي ولايته الخريف الجاري.

التحدّي الرابع لهذه الحكومة، سيكون ضبط الوضع الأمني. فقد شهدت الأشهر القليلة الأخيرة، استمراراً للحروب الطرابلسية بين ميليشيات منطقة باب التبانة (سنّة معادين بشدة للنظام السوري وحلفائه) ومنطقة جبل محسن (علويين مسلحين في صفوف الحزب العربي الديموقراطي الموالي حد الالتحاق بالنظام السوري)، وعودة لظاهرة الاغتيالات السياسية، مع اغتيال الوزير السابق محمد شطح، وانتشار ظاهرة السيارات المفخخة، والانتحاريين. بالتالي، هل ستكون هذه الحكومة قادرة على ضبط الوضع الأمني؟ تُشير المعلومات إلى أن أحد أهم الحجج التي استُخدمت في إقناع حزب الله بالقبول بأن تكون وزارة الداخليّة من حصّة تيار المستقبل، هو نظريّة أن "لا أحد يستطيع ضرب المتشددين السنة، غير سنّي قوي". كما أن قوى 14 آذار، باتت تُدير وزارة الاتصالات إلى جانب وزارة الداخليّة، أمّا الدفاع فهي من حصة رئيس الجمهوريّة، وبالتالي يُفترض بهؤلاء أن يُشكلوا فريقاً متجانساً، لا يُعرقلون أعمال بعضهم بعضاً، كما كان يحصل سابقاً. ففي الحكومة السابقة، اشتكت قوى الأمن مراراً وتكراراً من أن وزير الاتصالات يمتنع عن تزويدها بـ "داتا" المعلومات المطلوبة للقيام بعملها. من هنا، فإن التحدي الأمني أساسي أمام هذه الحكومة، وهو تحدّ ٍ لقوى 14 آذار أيضاً.

ويتفرّع عن الموضوع الأمني، ملف ضبط الحدود مع سوريا، تحديداً لجهة اعتداءات الجيش السوري النظامي. فلا يكاد يمرّ اسبوع من دون حصول غارات وقصف سوري على مناطق حدوديّة عدّة. ولطالما طالب رئيس الجمهوريّة بالردّ على هذه الاعتداءات، فهل سيُترجم هذا الأمر عملياً، بما أن وزير الدفاع من حصة رئيس الجمهوريّة؟ كما أن الملف السوري يتضمّن سؤالاً اساسياً: هل ستتمكن هذه الحكومة من وضع خطة لإدارة ملف النازحين السوريين وإنشاء مخيمات لجوء؟ أم أن التعاطي مع هذا الملف، سيبقى على الطريقة السابقة، أي غياب التنظيم والإدارة في مقابل طلب مساعدات بشكل دائم من دون تحضير الملفات؟

التحدي الآخر أمام الحكومة، هو العلاقات الخارجيّة. وزير الخارجيّة السابق عدنان منصور، مثـّل دور وزير خارجيّة سوريا بكل اتقان. وإبعاد منصور عن الخارجيّة، كان أحد الأسباب التي دفعت بالسعوديّة إلى دعم تأليف حكومة جديدة. فهل سيكون جبران باسيل نسخة معدلة عن منصور؟ أم سيراعي العلاقة المستجدة لفريقه السياسي مع دول الخليج العربي، وبالتالي يسير بين الألغام، من دون أن يتبنى طرفاً بعينه؟ كما أن هناك من يقول في لبنان، إن النائب ميشال عون، يُريد ان يُقدم أوراق اعتماده كرئيس جمهوريّة، عبر تولي صهره وزارة الخارجيّة، بشكل يؤكّد للجميع أنه قادر على أن يكون رئيساً جامعاً للبنانيين.

أما الملف الاقتصادي، فلن يكون أسهل من بقية التحديات. يطول النقاش في هذا المجال، لكن وزارة الأشهر الثلاثة لن تكون قادرة على إحداث تغييرات في البنية الاقتصاديّة، بل ربما قادرة على حلحلة ملف النفط، ليستطيع لبنان البدء بتلزيم شركات التنقيب عن الغاز في مياهه الإقليميّة.

تحديّات كثيرة أمام الحكومة، لكن ما سبق هو أبرز هذه التحديات مضافاً إليها ملف المحكمة الخاصة بلبنان. لكن يبقى أن هناك تحدياً ابرز من كل ما سبق، سيُطرح إذا ما فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس للجمهوريّة، وبالتالي، فإن هذه الحكومة ستلعب دور السلطة التنفيذيّة بالكامل، وخصوصاً أن تيّار المستقبل أبلغ أطرافاً لبنانيّة عدة، أنه في حال عدم انتخاب رئيس جمهوريّة، فسيُعارض تمديد ولاية مجلس النواب، وبالتالي، لن يبقى من السلطات الثلاث إلا هذه الحكومة.

المساهمون