أكثر من ساعة ونصف

أكثر من ساعة ونصف

01 فبراير 2015
"تحية إلى تاركوفسكي"، أيمن العامري / العراق
+ الخط -

يعرف "السينيفيليون" أن الأفلام الطويلة ليست أكثر ما يحبذه غيرهم من متابعي السينما. فيلم من ساعتين ونصف، أو ثلاث، سيفشل، غالباً، في الاحتفاظ بكل جمهوره في الصالة. يحدث هذا حتى في المهرجانات التي يُفترض بحاضريها أن يكونوا "جميعاً" عشاقاً للسينما، قطعوا، ربما، مسافات وتركوا أشغالاً لحجز مقعد أمام الشاشة الكبيرة.

حالة كهذه تبدو طبيعية إذا ما تذكّرنا بديهية الاختلاف بين شخص وآخر. غير أن الجانب الصناعي في السينما، وهو النصف الذي يكمّل (ويتحكّم بـ) نصفها الفني، يسعى دائماً إلى عدم الاصطدام بهذه البديهية، بل إلى تجاوز الوصول إليها من بداية الطريق.

من هنا، غالباً، جاءت الكليشيه/ القاعدة الشائعة التي تحدّد توقيت الفيلم بمدّة هي ساعة ونصف. حتى أن بعضاً من مدارس ومناهج "تعليم" السينما، على الأرض والإنترنت، التي تعِد المتدربّين فيها بمستقبل هوليوودي، تقدّم إلى جمهورها "دراسات علمية" تؤكد أن أفلام الساعة والنصف هي المعيار، وأن الملل يبدأ بتلبّس الجمهور بعد مضي هذا الوقت من فعل المشاهدة.

على أي حال، وبغض النظر إن كانت هذه المعلومات هراء لا يستند إلى أي مرجع علمي أو العكس، فإن مدة الساعة والنصف باتت هي المعيار الأعمّ سينمائياً. وبات من الأعراف السائدة أن تدور مدة غالبية الأفلام في هذا الفلك الزمني الذي يشكل صفقة رابحة بين منتج يفكر برأس ماله قبل كل شيء، وجمهور معاصر لديه الكثير ليفعله غير السينما، في الـ24 ساعة.

وكما يبدو، فإن الخاسر المحتمل دائماً في هذه المعادلة هو السينمائي الذي يشكل هذا الفن أداته الأرحب والوحيدة ربما لـ"قول شيء ما"، ويليه، وإن بدرجة أقل، عشاق السينما.

أفلام قليلة، أصحابها شجعان أو محظوظون، هي التي تكسر هذه القاعدة بين حين وآخر. كان لدينا عدة أمثلة، العام الماضي، من أبرزها "صبا" (165 د.) لريتشارد لينكلاتر. في حالة الأخير، تجتمع الشجاعة والحظ بصفة ثالثة هي الحاجة. ذلك أن فيلماً كهذا، مادته الزمن، يحتاج مدة "أطول من المعتاد" كي يجد لمادته المصوّرة توليفة جمالية تُظهر كل عناصرها من دون نتوءات أو تجاوزات اضطرارية قد يفرضها المونتاج (ومن ورائه الإنتاج) الذي لا يعرف، في كثير من الأحيان، أي شيء عن الرحمة.

لكن على العكس، بدا المونتاج في "صبا" مايسترو عناصره، عبر نجاحه في المحافظة في على إيقاع القصة، وربطه، بسلاسة، بين خطها الزمني العام، الكلّي، الطولي - الذي يحاول محاكاة الزمن الواقعي الذي يمثله الفيلم (12 عاماً)، وبقية الخطوط الزمنية الأخرى، الأفقية في هذه الحالة، والتي تمثل علاقات الشخصيات، وكذلك التغيرات التي تتبدى من حولها.

لعلّ هذا الاشتغال، الذي لا يوليه أهميةً هؤلاء الذين يخرجون من الصالات مبكراً، هو ذاته السبب الذي يدفع شخصاً إلى مشاهدة فيلم مثل "صبا" ثلاث مرات على الشاشة الكبيرة، من دون أن تنطبق عليه خلاصات الدراسات العلمية تلك.

دلالات

المساهمون