أفغانستان "الجديدة" تنتخب اليوم: صورة ثائرة على نمطيّة الحروب

05 ابريل 2014
صناديق الاقتراع في مقاطعة شتول الشمالية (شاه مراي، getty)
+ الخط -

ليست أفغانستان عادية. تاريخها يشهد على ذلك. وتشابك العوامل الجغرافية والديموغرافية، وتمازج العادات الاجتماعية والدينية والعشائرية فيها، ووقوعها على مساحة إجبارية لكل عابر من شرق آسيا الى غربها أو العكس، لم يجعلها بلداً "غنياً ومتنوعّاً"، بقدر ما وضعها على حافة زلازل الصراعات المتناحرة. ولن تكون الانتخابات الرئاسية، اليوم السبت، سوى "محطة ديموقراطية بنكهة أفغانية".

يبدو كل شيء نموذجياً في أفغانستان، اليوم، في انتخابات من المفترض أن تكون ديموقراطية وإن كان مؤكداً أن التزوير سيشوبها. في البلد الجبلي، يخوض 8 مرشحين سباق رئاسة الجمهورية. أحدهم سيكون رئيساً للمرة الأولى، في ظلّ أجواء أمنية سيئة للغاية في البلاد. احتمال الفوز من الدورة الأولى صعب، والمرجّح فرض جولة إعادة، بعد أسبوعين، تسمح

بحصر المعركة بين اسمين، لعجز أي مرشح عن كسب تأييد أكثر من 50 في المئة من الناخبين. الرئيس حامد قرضاي، وإن بات خارج اللعبة كون الدستور لا يسمح بترشحه لولاية ثالثة، غير أنه لن يرحل من دون الاطمئنان الى تسليم البلاد لخلفٍ قادر على مواصلة السير بين الألغام.

لن يكون أمام الثنائي الأقوى، المرشحَين للمواجهة المكررة بعد أسبوعين: عبد الله عبد الله ومحمد أشرف غني أحمد زاي، أي خيار سوى الاقتناع بأن انتخابات ناقصة ستكون أفضل من لا انتخابات، بعد إغلاق السلطات لـ748 مركزاً من مراكز التصويت بسبب الظروف الأمنية، بينما سيبقى 6423 مركزاً متاحاً من أجل التصويت الشعبي. المهم الآن ليس كيفية سير العملية الانتخابية، فقرضاي انتُخب في 2004 و2009 بالطريقة عينها، ولن يكون انتخاب خليفته، غريباً عنه. المهم الآن هو الوضع الأمني، الذي لم يتغيّر منذ انقلاب داوود خان على الملك محمد ظاهر شاه، في 1973.

عدا عن الحروب المتناسخة في البلاد، وأنظمة الحكم العامة والمحلية، والاجتياحات السوفياتية والأميركية، فإن البلاد تعيش على وقع مصير الاتفاقية الأمنية المنتظر توقيعها مع الولايات المتحدة. رفض قرضاي التوقيع عليها، ولم تثنه الزيارات الأميركية، السياسية والعسكرية منها، عن موقفه. كما أن حلف شمال الأطلسي "هدّد" بسحب قواته من أفغانستان، مع نهاية العام الجاري، ما لم توافق البلاد على الاتفاقية.

الاتفاقية، التي تتيح بقاء 10 آلاف جندي أميركي في أفغانستان، بعد الانسحاب المفترض للجيش الأميركي في نهاية 2014، لتدريب الجيش الأفغاني ومساعدته تقنياً ولوجستياً على مواجهة التحدّيات الإرهابية، باتت معلّقة في انتظار التطورّات. التراجع العسكري الأميركي عن الضربات الجويّة، لم يحصل، وقرضاي بات متيقّناً أن الحلّ للاتفاقية ليس بيديه، لكنه يطمح للبقاء في الواجهة، وإنْ بصورة مستشار، ما دفع بالمرشح أحمد زاي، الى اقتراح منح الرئيس المنتهية ولايته منصباً استشارياً، في حال فوزه في الانتخابات.

ولأحمد زاي، البشتوني طبعاً، حساباته الخاصة في مغازلة قرضاي، إذ إن الرئيس المنتهية ولايته قادر على تأدية دور المرجِّح لأي مرشح، وبالتالي فإنّ تحييده بصورة إيجابية على الأقل، حاجة حيوية لأحمد زاي، وإلا فإن جولة الإعادة، التي قد تجمعه مع عبد الله، ستكون "خطيرة" للغاية.

من شأن توقيع الاتفاقية الأفغانية ـ الأميركية، إلغاء اتفاقية سابقة وقّعها قرضاي مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في كابول، في 5 مايو/ أيار 2012، والتي كرّست الوجود الأميركي في أفغانستان، بشكل شرعي، بعد غزو 2001، عقب عمليات 11 سبتمبر/ أيلول. في حينها كانت الاتفاقية تتحدّث عن بنود عامّة تتعلّق بالقواعد الأميركية في أفغانستان، والاستثمارات الأميركية، على اعتبار أنّ الأولوية لها في البلاد، ولكن كل ذلك بشكل عام ومؤقت. وكان أوباما يطمح في وجود دائم لقواته على الأراضي الأفغانية عن طريق تضمين الاتفاقية بنداً لإتاحة بقاء 10 آلاف جندي أميركي ما بعد الانسحاب في الـ2014. هكذا، يريد الأميركيون النجاح حيث فشل السوفيات، وإبقاء عينهم على إيران المجاورة ذات النفوذ الهائل في أفغانستان منذ أيام الإمبراطورية الفارسية.

ناخب آخر يجهّز نفسه للدخول على خطّ الانتخابات، وهي حركة "طالبان"، التي لا تزال قوية في أكثر البلاد انعزالاً في العالم. توعّدت "طالبان" بأنها "سترسم" العملية الانتخابية بحسب إرادتها، وبعدم السماح في تجاوزها. ظلال الملّا عمر كحاكم أوحد بين 1996 و2001، لا تزال ماثلة في الأذهان. و"طالبان" تريد اغتنام كل فرصة، لترسيخ وجودها العسكري والسياسي، وليس هناك أفضل من الانتخابات الأفغانية، للتذكير بـ"عدم رفعها الرايات البيض". من جهة، تدفع الحركة 500 روبية (5 دولارات) لكل شخص لا يُشارك في الانتخابات، ومن جهة أخرى تستعدّ لهجمات على مراكز الاقتراع.

صحيح أن صورة أفغانستان النمطية تُظهرها وكأنها في حالة حرب دائمة منذ 1973، لكن البلاد أمام فرصة تاريخية للمصالحة مع العمل السياسي والدستوري، في أول عملية انتقال سلمية للسلطة تشهدها البلاد في تاريخها.

دلالات
المساهمون