أطلقوا سراحهم

19 يونيو 2016
+ الخط -
استوقفتني الأيام الماضية مجموعة أفلام وثائقية لإحدى شبكات الأخبار، وهي شبكة عالمية، عن حكام مصر عقب انقلاب 23 يوليو 1952، كان أهمها فيلم عن حقبة الرئيس الراحل أنور السادات. يرصد أهم مشاهد هذه الحقب. توقفت طويلا أمام فترة بداية الصدام مع القوى السياسية، وخصوصاً الإسلاميين، والذين كانوا عونا للسادات في بداية حكمه، وعقب التخلص مما يعرف وقتها بمراكز القوى، وفي مواجهة الناصريين واليساريين. وتوقفت أيضا أمام أحد الأسماء، وهو شكري مصطفى، زعيم جماعة الدعوة والهجرة، أو كما سميت إعلاميا (التكفير والهجرة).
للرجل قصة طويلة، فشكري مصطفى، ابن مدينة أبو تيج في محافظة أسيوط، تخرج من كلية الزراعة، اعتقل إبّان فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر بتهمة انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، وظل سجينا يلقى من صنوف العذاب ألواناً، إلا أن الرجل بعد تعرضه لصنوف من العذاب، بدأ فكره يتغير في اتجاه التوسع في تكفير الجميع، إذ كان يعتقد أن من يقومون بظلمه وأقرانه، وتعذيبهم بالمعتقلات لا يمكن أن يكونوا مسلمين، وأن المجتمع الذي يقبل بتلك الدولة، وهذا النظام لا يمكن إلا أن يكون مجتمعا جاهليا .
ظلت الفكرة تتبلور وتكبر في رأس الرجل، وبدأ دعوته عقب خروجه مع بداية حكم السادات عام 1971، حيث لاقت دعوته إلى اعتزال المجتمع الجاهلي والدولة الكافرة صدىً لا بأس به في أوساط عدة، وفي مختلف الطبقات، إذ أنه، وتأكيداً على عودتك إلى الإسلام، ينبغي عليك أن تنضم لجماعة الدعوة والهجرة.
تمر السنين، لتحدث جماعة الدعوة والهجرة صخباً كبيراً، يتزامن هذا الصخب مع اختطافهم، في ذلك الوقت، الشيخ محمد الذهبي، وزير الأوقاف، وطلبهم مبادلته بمجموعة من زملاء لهم، كانوا رهن الاعتقال آنذاك، إلا أن محاولاتهم تبوء بالفشل، وينتهي الأمر بمقتل الشيخ الذهبي، واعتقال شكري مصطفى، ومجموعة معه، وإحالتهم إلى التحقيق ومحاكمتهم وانتهاء الأمر بإعدامه، وخمسة من رفاقه .
مع تعاظم الظلم والاضطهاد، سنواجه بنموذج جديد لشكري مصطفى، بل وأكثر تشدّداً وتطرفاً، فالرجل الذي وصل إلى مرحلة شديدة من التطرف وتكفير المجتمع، ما كان ليصل إلى ذلك إلا بسبب ما لاقى من ألوان التعذيب والاضطهاد في سجون عبد الناصر .
اليوم، ومع وجود بيئة حاضنة كتنظيم الدولة الإسلامية، أو ما يعرف إعلاميا "داعش"، لا يفكر النظام في مصر، ورأسه المشيرعبد الفتاح السيسي، في أن نموذجاً كالذي ذكرته، وفي ظل وجود متنام لتنظيم داعش، قد يتكرّر وبنطاق واسع .
بات من الواضح أن القائم على إدارة البلاد لا يقرأ تاريخا، بل لا يعرف شيئاً عنه، وبالتالي، لن يستفيد من أي دروس التاريخ، وأهمها أن الظلم والتنكيل بالآخر قد يسبب مناخاً خصباً لصناعة الإرهاب.
أصبح جليا للجميع أن لا بوادر لتحسين الأوضاع في مصر في مجال الحريات العامة، أو إفراج جماعي عن سجناء للرأي أو بدافع الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، حيث تتحدث تقارير أن أعدادهم تقترب من 42 ألف سجين، جلهم من الشباب صغير السن.
كما نطالع في الأخبار يوما بعد يوم، من أن الدولة تشرع في بناء السجون، إذ إن النظام المصري، وفي أقل من ثلاث سنوات تمكن من بناء أكثر من عشرة سجون جديدة، تتفاوت مساحتها وقوة استيعابها المساجين، حتى باتت مصر تمتلك أكبر سجنين في إفريقيا والشرق الأوسط.
البلد التي تنهكها الديون، وينهش في جسدها الفقر والمرض، بات نظام حكمها يهتم ببناء السجون أكثر من بناء المدارس والمستشفيات، وشراء الأسلحة بسخاءٍ أكثر من تنفيذ مشروعات اقتصادية تنتشلنا من الوضع الاقتصادى المتردي.
ومع مرور الأيام، تتحدّث الجهات المستقلة كمنظمات المجتمع المدني، والجهات الغير مستقلة كمجلس حقوق الانسان المعين من قبل الحكومة، عن تردّي الأوضاع بالسجون، والتي ضاعفت من سوئها أعداد من يموتون في السجون أو أماكن الاحتجاز، إذ يموتون جرّاء تعرّضهم للتعذيب، كما حدث مع المحامي كريم حمدي، شهيد قسم المطرية، أو يموتون جرّاء الإهمال الطبي، كما حدث مع الدكتور طارق الغندور .
مع استمرار تلك المأساة التي يعاني منها عشرات الآلاف من المحبوسين، جرّاء قانون جائر للتظاهر، يصبح السؤال: هل يتحرّك النظام المصري لتصحيح مساره، والإفراج عن آلاف من الشباب، أم يستمر في غيه، ليجعل منهم قنابل موقوتة، تخرج لتحرق الأخضر واليابس، وتحوّل حياتنا جميعا إلى جحيم؟
C5679498-CC60-4055-8E64-49253B30D880
C5679498-CC60-4055-8E64-49253B30D880
خالد طه يعقوب (مصر)
خالد طه يعقوب (مصر)