أطفال مصر.. زهور خلف القضبان والتهمة "إرهابي"

أطفال مصر.. زهور خلف القضبان والتهمة "إرهابي"

17 ابريل 2014
كريم صالح تم اختطافه من منزله وتعذيبه في القسم
+ الخط -
خلف القضبان أطفال، أعمارهم كالزهور، حقوقهم في دستور الانقلاب والمواثيق الدولية لا تسل عنها، يمكنك أن تراها على أجسادهم مخطوطة بعصا أو كرباج، محفوظة في ذاكرتهم ككتاب مدرسي طالما قرأوا فيه عن معاني الحرية والمستقبل .
كريم صالح، ذو 14 ربيعاً تروي والدته من داخل نيابة الزهور في محافظة بور سعيد "شمال شرق مصر" خلال حضورها عرض نجلها على النيابة قائلة: في تمام الساعة الثانية والنصف ليلا فوجئنا بقوة كبيرة من أجهزة الأمن الملثمين، والمدعومين بمدرعات تقتحم المنزل وتحطم كافة مقتنياته". مضيفة لـ"العربي الجديد" "فوجئت بهم يسألون عن طفلي كريم تحديداً وقاموا باستجوابه والتحقيق معه في المنزل لمدة ساعة كاملة حول أحداث ومظاهرات ليس له أي علاقة بها"، متابعة "فقال لهم ليس لدي أي معلومات عن هذه الأحداث، فقاموا باختطافه من بين يدي، واصطحابه معهم إلى قسم شرطة الزهور".

"صرخت فيهم قائلة إنه طفل ولا يفهم أي شيء مما تسألونه عنه" تروي والدة كريم، لحظات الرعب والهلع التي عاشتها في تلك الأثناء، مضيفة "عندما ذهبت إلى قسم الشرطة بعدها رأيت كريم، وعلى جسده علامات تعذيب واعتداء وصعق بالكهرباء واضحة". 

تبكي الأم المكلومة، وهي تسرد باقي تفاصيل القصة قائلة "طلبت من وكيل النيابة خلال عرض كريم، أن يخلي سبيله لأن امتحانات نهاية العام لم يتبق عليها سوى أسبوعين فقط، إضافة إلى أن نجلها يشارك في منحة تابعة للجامعة الأمريكية، وفي حال تغيبه سيتم فصله منها، وهو مالم يعره المحقق بالاً".
 
كريم، لم يكن الأول في عائلته الذي يختطفه الأمن، حيث سبق واعتقلت قوات الأمن في محافظة بورسعيد والد كريم، في الخامس عشر من سبتمبر الماضي، بعد قيام قوة أمنية بمداهمة المنزل، وهو ما دفع والدة الطفل، أن تقول للقوة التي جاءت لتختطف ولدها من بين أحضانها "لقد اعتقلتم والده وعذبتموه، فماذا تريدون من ابنه الطفل في الصف الثاني الإعدادي".

"بودي"التهمة إرهاب المارة
وفي مدينة المنصورة يروي ضياء شقيق، عبد الله، أو "بودي" كما يحلو للأسرة أن تناديه معاناة شقيقه الأصغر، 14 عاماً، الذي قبض عليه في الشارع خلال مسيرة لمعارضي الانقلاب العسكري في مصر في منطقة المشاية في مدينة المنصورة في محافظة الدقهلية "شمال مصر".
 
عبد الله، الطالب في الصف الأول الثانوي في معهد المنصورة الأزهري، عمره 14 عاماً، كان ذاهباً إلى درس خصوصي في الثالثة من عصر الثامن من يناير الماضي، قبض عليه قبل أن يصل للدرس" يوضح ضياء شقيق عبد الله، مضيفاً لـ"العربي الجديد" "في ذلك اليوم تأخر أخي كثيراً عن وقت عودته الى المنزل، وعندما خرجنا نسأل زملاءه عن تأخره، قال لنا أحدهم إنه قبض عليه ونقل إلى قسم الشرطة".
 يتابع ضياء "هناك فوجئنا أنه تم تحرير محضر لشقيقي الأصغر وفيه عدد من الاتهامات لا يصدق أبداً أن يقوم بها طفل مثل: حرق سيارة شرطة والشروع في قتل أحد أفراد الأمن وإثارة الشغب وإرهاب المارة في الشارع".
 
"وفي اليوم الموالي عرض على النيابة التي أصدرت قرار حبسه 15 يوماً على ذمة تلك الاتهامات" يقول ضياء متعجباً من الحال الذي وصل إليه القضاء المصري على حد تعبيره، مضيفاً "بعد ذلك تم تجديد الحبس مرتين كل منهما 15 يوماً، ولكن ما آلمنا جميعاً هو آثار التعذيب على جسده نتيجة ما تعرض له "بودي" بعد القبض عليه". 
 
وناشد ضياء المنظمات الحقوقية المهتمة بالأطفال بالتدخل للإفراج عن شقيقه و5 أطفال آخرين كانوا في الواقعة نفسها أحدهم يصغر عبد الله، سناً محتجزين بسجن دكرنس العمومي بالدقهلية، قائلا "امتحانات آخر العام على الأبواب ونرجو من الجميع المشاركة في إنقاذ مستقبل هؤلاء الأطفال الذين يتعرضون للحبس ظلماً بالمخالفة لكافة الأعراف والدساتير".
 

التهمة تي شيرت نهضاوي
مصطفى جمال أحمد طالب، في الصف الثاني الثانوي في مدرسة الهدى والنور الثانوية في مدينة المنصورة، عمره 15 عاماً، تقول والدته إنه قبض عليه خلال توجهه إلى تلقي الدرس في يوم 20 يناير الماضي، حيث قام مجموعة من البلطجية باختطافه والاعتداء عليه وإصابته في رأسه إصابة بالغة ثم قاموا بتسليمه إلى قوات الشرطة التي كانت تتحفز لمنع أي تجمعات لمعارضي الانقلاب في ذلك اليوم.
 
"تم نقل مصطفى، بعد ذلك إلى قسم شرطة أول المنصورة، وهناك لم يراعِ  أمناء الشرطة الإصابة، والدماء التي تسيل من رأسه واعتدوا عليه باستخدام عصا خشبية كبيرة قبل إيداعه بالزنزانة المخصصة للاحتجاز في القسم" تضيف والدة مصطفى ، أثناء توجهها هي وأخريات إلى سجن الأحداث في مدينة دكرنس في محافظة الدقهلية لزيارة طفلها. "بعد اطلاعنا على محضر الشرطة الذي تم على أساسه إحالة مصطفى إلى النيابة وحبسه أكثر من ثلاثة أشهر وجدنا أن التهمة الموجهة له هي التظاهر وحيازة تي شيرت مكتوب عليه أولتراس نهضاوي".

 
وعن وضع المكان المحتجز فيه ابنها، تقول والدة مصطفى، والحسرة تملأ صوتها "ابني محبوس في غرفة لا تتجاوز مساحتها 5 أمتار، ومعه 34 طفلا آخرين في الغرفة نفسها التي لا تدخلها الشمس ولا ترى النور"، مضيفة "بسبب هذه الظروف وفي غياب العناية الصحية أصيب العديد من هؤلاء الأطفال بأمراض جلدية معدية تفشت في المحبوسين كافة داخل هذه الغرفة".
 
حالة من الوجع تسردها والدة مصطفى، كلما رأت طفلها حبيس الزنزانة بينما يتم الإفراج عن رموز الفساد في عصر الرئيس المخلوع، مبارك. قائلة : مستقبل ابني وأطفال آخرين في مهب الريح بعد الإصرار على عدم الإفراج عنهم، خاصة وأنهم غير مذنبين، في الوقت الذي نرى فيه رموز نظام مبارك، الذين قتلوا الشباب، ونهبوا ثروات البلد يخرجون من السجون على ذمة قضايا متهمين فيها ، بينما يحرم أبناؤنا من الحرية على الرغم من اقتراب مواعيد امتحاناتهم.
 وتضيف "تقدمنا بطلب للنيابة العامة بتخصيص لجنة امتحان للسماح لأبنائنا بأداء الامتحانات حتى لا تضيع عليهم السنة بعد أن يئسنا من إخلاء سبيلهم قبل الامتحانات".
 
من الأتوبيس الى الزنزانة
بالعودة إلى محافظة الجيزة وعلى بعد كيلومترات عدة من العاصمة، تسكن أسرة محمد وليد، الطالب في السنة الأولى في كلية التجارة وعمره 17 عاماً، وقبض عليه أثناء عودته من تظاهرة رافضة للانقلاب العسكري في الثامن من يناير/كانون الثاني الماضي في منطقة السبع عمارات في مصر الجديدة، خلال استقلاله أتوبيس نقل عام، حيث تم اقتياده من داخل الأتوبيس إلى قسم الشرطة، والاعتداء عليه بالضرب قبل وصوله. 
"فور وصول محمد، إلى قسم الشرطة تم تحرير محضر تضمن العديد من الاتهامات الباطلة ضده منها؛ الانتماء الى جماعة إرهابية، وقطع الطريق" حسب مهندس البرمجيات وليد أبو السعود، والد محمد. مضيفاً: للأسف لم يتمكن من دخول امتحانين في الفصل الدراسي الأول بسبب ظروف الحبس .  
 
تعذيب الزهور
رابطة أسر معتقلي محافظة بورسعيد أصدرت مؤخراً بياناً لها نددت فيه باختطاف قوات الأمن تحت إشراف رئيس مباحث قسم شرطة الزهور "محمد سليمان" لثلاثة طلاب في المرحلة الإعدادية والثانوية من سيارة أجرة "ميكروباص" أمام مسجد التوحيد وهم "محمد المصري، محمد عبده جربوع، معاذ هشام الجيار".
وقالت الرابطة: إن الأطفال الثلاثة تم الاعتداء المستمر عليهم داخل القسم وترحيلهم إلى مقر جهاز الأمن الوطني، حيث تم استخدام ما وصفه البيان بـ"أبشع أساليب التعذيب الوحشي" في ضد الطلاب من قبل ضباط الجهاز، حيث تم تعذيبهم باستخدام الكهرباء لمده 16 ساعة متواصلة، حسب ما جاء في البيان.
وقالت الرابطة في بيانها: إن قسم شرطة الزهور مقر جهاز الأمن الوطني في المدينة تحول لسلخانة تعذيب، على حد تعبير البيان، يتم داخله تعذيب 40 طفلاً لا تتجاوز أعمارهم 16 عاماً.
 
من جانبه كشف هاني هلال، مدير المركز المصري لحقوق الإنسان، عن جملة من الاتهامات التي يتعرض لها الأطفال في مصر، قائلاً "من بين الانتهاكات أن النيابة العامة توجه للأطفال تهما لا يصلح أبداً اتهام طفل بها" مرجعاً ذلك إلى أن النيابة لديها قائمة طويلة من الاتهامات تقوم بتوجيهها الى المتهمين السياسيين أياً كانت مراحلهم العمرية دون أدنى تحقيق في الوقائع".
 
وأضاف هلال، أن من بين قائمة الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في مصر "أن القانون يحظر توجيه أي تهم جنائية للأطفال أقل من 15 سنة ، في حين نجد أن هناك مئات الأطفال في هذه المرحلة العمرية موجه لهم قائمة من الجنايات".
وتابع هلال "أن النيابة العامة تقوم بأفعال في غاية العجب"، مشيراً إلى أنه عندما تقوم أي محكمة بتبرئة الأطفال وإخلاء سبيلهم تسارع النيابة بعمل استئناف على الحكم لوقف تنفيذه وإلغائه، وهو ما لم تقم به مع عتاة المتهمين والمجرمين".
 
"انتهاك آخر يحدث في حق الأطفال في مصر، وهو أن بعض النيابات تقوم بإخلاء سبيل هؤلاء الأطفال بكفالة مالية، بالمخالفة لقانون الطفل حيث إن الأطفال وفقا لنص القانون ليست لهم ذمة مالية" يكمل هلال.
 
ويختتم هلال، حديثه قائلا "إن المكان الوحيد في مصر المجهز لاستقبال الأطفال لدى وزارة الداخلية هو مؤسسة الأحداث في منطقة المرج في القاهرة"، مضيفاً "الكارثة أن القدرة الاستيعابية لهذه المؤسسة لا تتجاوز الـ750 طفلاً في حين يوجد فيها 1225 طفلاً، وهو ما دفع وزارة الداخلية إلى احتجاز العديد من الأطفال صحبة بالغين ومجرمين بالمخالفة للقانون"، كاشفاً أن محافظة القاهرة وحدها يوجد فيها 500 طفل محتجزين على ذمة قضايا سياسية.