أطفال في الضفّة يقلّدون المقاومة بصواريخ من المطاط

18 يوليو 2014
ازداد أخيراً الإقبال بشكل كبير على البالونات-الصواريخ (العربي الجديد)
+ الخط -

وقفت أماني الساعي أمام بائع ألعاب في السوق الشعبي في مدينة طولكرم شمال الضفة الغربيّة، مضطرة لتلبية رغبة أطفالها الثلاثة إبراهيم وعبد المجيد وثابت الذين تسمرّوا في المكان يصرّون على شراء بالونات على شكل صواريخ منفوخة بالهواء. وكان لهم ما أرادوا.

في المنزل، بدأ الأطفال الثلاثة يضعون تلك البالونات على أكتافهم ويطلقونها باتجاه أهداف رسمتها مخيلتهم على أنها لجيش الاحتلال الإسرائيلي، مقلدين بذلك ما يرونه على قنوات التلفزة التي تبثّ أخبار المقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة وقصفها للمدن المحتلة والمستوطنات.

والصواريخ ليست الوحيدة التي كان لها وقع على نفوس الأطفال الذين تراوحت أعمارهم ما بين ثلاث وثماني سنوات. فهم تفاعلوا أيضاً مع طائرة "أبابيل-1"، التي كانت كتائب القسام قد أعلنت عن تحليقها في سماء تل أبيب قبل يومَين. وراحوا يسألون والدتهم حينما رأوا ذات مرّة طائرة في السماء: "ماما، هل هذه الطائرة القساميّة؟".

إلى ذلك، كان للقصف على قطاع غزّة وما يخلّفه من سقوط شهداء وجرحى وتدمير للمباني، أثره أيضاً على هؤلاء الصغار الذين راحوا يخبرون والديَهم بما يحدث بشكل تتابعي.

وتقول الوالدة لـ"العربي الجديد" إن "طبيعة مهنة زوجي الصحافي (يعمل سامي الساعي مراسلاً لإحدى محطات التلفزة المحليّة)، جعلت أطفالي يتفاعلون مع أحداث الحرب على غزّة، حتى أصبحوا يتابعون الأخبار على الرغم من صغر سنهم".

وكلما شاهد أطفال الساعي الصواريخ على الشاشات، يصرخون قائلين لوالدتهم "ماما معنا مثل صواريخ المقاومة!". وعندما تلفت تلك البالونات من كثرة اللعب فيها، طالب الصغار بأخرى مماثلة.


تجارة مربحة

وهذا المشهد قد يتكرّر لدى عدد كبير من الأطفال الفلسطينيّين في الضفة الغربيّة وإن بطرق أخرى. فهؤلاء باتوا يحاكون الواقع من خلال ألعابهم، وقد استبدلوا تلك العاديّة بألعاب قتاليّة تدلل على الواقع.

ويسجّل إقبال كبير على هذه الألعاب التي يتمّ استيرادها من الصين بأشكال عدّة، بالونات على شكل حيوانات وأهلّة ونجوم وصواريخ، وغيرها. لكن الإقبال ازداد مؤخراً بشكل كبير على البالونات التي تتّخذ أشكال صواريخ.

محمد ضمرة هو أحد المستوردين، ويمتلك محلاً تجارياً للتوزيع بالجملة في مدينة طولكرم. فيقول لـ"العربي الجديد"، "لاحظنا إقبالاً غير مسبوق على بالونات الصواريخ هذا العام، نظراً للأجواء السائدة في قطاع غزّة، بعدما كان الإقبال عليها ضئيلاً في الأعوام السابقة مقارنة مع بقيّة الأشكال".

ويشير إلى أن كثرة الباعة في الأسواق الذين انتشروا في شوارع مدينة طولكرم نظراً للبطالة السائدة، أوجدت جواً وبيئة مناسبَين لبيعها.

ويرى ضمرة أن الاتجار بهذا الصنف من الألعاب مربح، إذ يقوم بتوزيعها على الباعة المتجولين مقابل 22 سنتاً من الدولار الأميركي للبالون الواحد، في حين يقوم هؤلاء ببيعها في الأسواق بعد ملئها بالهواء لقاء 88 سنتاً.

ما يقوم به الأطفال من تقليد، يعتبر محاكاة للواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني. ويقول هنا مستشار وخبير التنمية البشريّة الدكتور أكرم عثمان لـ"العربي الجديد"، إنه في كل مرحلة من مراحل الصراع، يتأثر الأطفال بالأجواء السائدة، "فإن كانت الأجواء انهزاميّة، فإنها ستصنع بالطبع جيلاً انهزامياً بعد عشرات السنين".

ويتأثر الأطفال بشكل عام بالأحداث والأجواء السائدة، بحسب تأثير الأهل والبيئة المحيطة عليهم. وقد يتعرّضون لصدمات نفسيّة بسبب الأحداث، حينما يشعرون بالخوف والقلق. وهو ما يتطلب اختصاصيّين نفسيّين لمتابعتهم.