أطفال سوريا .. كبروا
عبرت سيارات كثيرة بمحاذاته وهو ينتحب من دون توقف. مشهدٌ استوقف البعض، الذين اكتفوا بفتح زجاج نافذة سيارتهم بعدما أحكموا إغلاق الأبواب. إنه طفلٌ متشرد زاد من نفور العالم منه أنه سوري لاجئ. صفتان تجعلانه مخيفا للمحيط. مع ذلك، كبر الفتى بسرعة. وهو يغارُ بصمت من أطفال لبنانيين يمارسون طفولتهم ويخافون النظر إليه من خلف زجاج سيارات أهلهم. يستعير بعض حركات لعبهم على المقاعد الخلفية ليطلقها في أحلام يقظته.
يروي للسائقين قصته عند ازدحام المرور. يومئ المستمعون برؤوسهم المثقلة. يتمتمون عبارات الشفقة، وأحياناً الضيق. يُطلقون اللعنات. وفي النهاية، يمضون في طريقهم. يخشى بعضهم إعطاءه النقود لأنه لن يستفيد منها، في حين أنها ستعود إلى "المافيا" التي يعمل لديها. هكذا يريحون ضمائرهم. يواسون أنفسهم. هم ليسوا بمذنبين ولا يمكنهم أن يحلوا مشاكل الكون.
على سلالم وأرصفة وشوارع أخرى، يتوزع الأولاد. تحكي عيونهم بعض قصصهم. لا نحتاج إلى سماع أكثر من ذلك. يكفي أنهم يمضون نهارهم في العراء، يمارسون دور المُلِحِّ المزعج لجمع بعض النقود، ويتلقون الشتائم بوجوه ذابلة، تبخرت أرواحها.
أمام هذه المشاهد الكثيرة، تخوننا انسانيتنا أحياناً. نصبح عنصريين وقساة. فالسوري شوّه مدينة مشوّهة أصلاً، وساهم في ارتفاع بدلات إيجار الشقق السكنية، وشغر وظائف هي "من حق اللبنانيين" أساساً. نُحمّله كامل المسؤولية وننسى أرباب العمل وأصحاب الشقق وأخيراً الدولة. ننسى أيضاً أنه لا يمكن تبرير العنصرية، وأن الأطفال ليسوا بذئاب، لكنهم كبروا بسرعة.