أطفال تونس... كيف نحميهم في الحجر المنزلي؟

أطفال تونس... كيف نحميهم في الحجر المنزلي؟

06 يونيو 2020
صورة تذكارية بعد تخفيف الحظر (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

مذ بدأت البلدان تفرض الحجر المنزلي على مواطنيها وسكانها في إطار التدابير الوقائية المتّخذة لمواجهة الوباء العالمي الجديد، راح الخبراء يحذّرون من تداعيات ذلك على الصحة النفسية. والأطفال من الفئات الأكثر عرضة للتأثر.
وجد أطفال تونس، كغيرهم من أطفال العالم وسط أزمة كورونا، أنفسهم من دون مدرسة ولا متنزهات ولا ملاهي ولا زيارات للأقارب والأصدقاء. وراحوا يقضون معظم أوقاتهم بين جدران المنازل، مع ذويهم أحياناً وبمفردهم في أخرى، من دون أنشطة ولا وسائل ترفيه، وقد انقلب نهار بعضهم ليلاً وليلهم نهاراً. وثمّة من وجد في وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية ملاذاً للتغلب على الروتين اليومي، فيما لا يُعرف ما إذا كانت عقولهم الصغيرة قد أدركت ما يحصل في العالم وسبب إطالة فترة الحجر المنزلي، وكيف يتغلبون على القلق النفسي الذي قد ينتابهم من دون أن يعوا أنّه كذلك بالتأكيد.

يقول طبيب الأطفال معز الشريف، وهو رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل، لـ"العربي الجديد"، إنّه "يتوجّب على الوالدَين التحاور مع أطفالهما ليفهموا معنى الحجر المنزلي والبقاء في فضاء مغلق، لأنّ الصمت والتخويف من دون تفسير سيؤدّيان إلى نتائج سلبية. وعندما تطول المدّة، فإنّ الأطفال الذين لا يدركون تداعيات الفيروس سيتحدّون مخاوفهم والمنع المفروض"، مؤكداً أنّ "الحوار هو الأساس للتغلّب على الضغط النفسي الذي تسبّبه الجدران المغلقة". يضيف الشريف أنّ "الحضانات المدرسية التي أعيد فتحها أخيراً بالتزامن مع عودة الأهل إلى العمل، ستوفّر للأطفال حدّاً أدنى من الأنشطة، على الرغم من نقص البرامج التنشيطية التي تعودوا عليها سابقاً". ويشير الشريف إلى "ضرورة إشراك الأطفال في الأعمال المنزلية لتدعيم الروابط العائلية بين الطفل وأسرته من جهة ولتشجيعه على التعبير عن انتظاراته وعن التراكمات الناتجة عن التشنّج الحاصل نتيجة العزلة المفروضة عليه من جهة ثانية".

ويؤكد الشريف أنّ "بقاء الأطفال لفترة طويلة أمام الشاشات باختلافها قد يؤثر سلباً عليهم ويدفعهم إلى سلوكيات مضرّة، فالانحراف سهل وتصحيحه صعب. وفي غياب الوالدَين، يُنصح بقطع الإنترنت، على أن يوجّها أطفالهما إلى برامج معيّنة عندما يكونان موجودَين". ويتابع أنّه "في ظلّ غلق الفضاءات الترفيهية التي تكون فرصة ليفرّغ الصغار طاقتهم البدنية وللحدّ من التشنّج، فإنّه من الممكن القيام بأنشطة في البيت أو التوجّه إلى أمكنة عامة مفتوحة حالياً والبحث عن بدائل". ويلفت الشريف إلى "إمكانية العودة إلى الزيارات العائلية التي صارت ممكنة أخيراً للتواصل مع من هم في مثل سنّهم، في انتظار رفع بقية إجراءات الحظر الأخرى". ويشدّد الشريف على أنّه "بمجرّد عودة الأنشطة الرياضية، لا بدّ من تمكين الأطفال من ممارسة ما يفضّلون من بينها، لأنّ الإندماج الاجتماعي وتفريغ الطاقة يكون بالرياضة". وفي سياق متصل، يقول الشريف إنّ "المراهقين يميلون إلى العزلة ويحاولون تكوين شخصياتهم، لذلك يجب تخصيص فضاءات خاصة بهم بعيداً عن أفراد العائلة الآخرين، مع هامش حريّة".



ويدعو الشريف إلى "ضرورة الواجبات المنزلية لملء الفراغ وتسلية الأطفال"، فبالنسبة إليه "الانقطاع المبكر عن التعليم سيؤدّي إلى تراجع المعرفة. والعودة إلى المدرسة ستكون صعبة أمام أطفال كثيرين، بالتالي يمكن ترغيبهم في التعلّم وتخصيص وقت لذلك". ويحذّر الشريف من أنّ "الحجر المنزلي يتسبّب في ضغط كبير على العائلات، سواء على الوالدَين أو الأطفال"، مشيراً إلى "ضرورة بذل مجهود لكي لا ينتقل التشنّج الموجود في الشارع ولدى الوالدَين إلى الصغار. على سبيل المثال، لا يجب أن نحدثّهم مثلاً عن فواتير المياه والكهرباء وعن مشاكل العمل، لأنّهم فئة من الأكثر هشاشة".

من جهتها، تقول المتخصصة في الطب النفسي للأطفال أنس نويرة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "التغيير الذي حصل وكذلك فترة الحجر المنزلي لهما تداعيات على الكبار والصغار على حدّ سواء"، مشيرة إلى أنّ "الدروس توقفت ولم يعد من الممكن زيارة الأقارب والعائلة الموسّعة، بالتالي يجب تفسير كلّ ذلك للأطفال حتى يفهموا التغيّرات وكيف نعيشها، بالإضافة إلى المستجدات الحاصلة ليشعروا بالأمان". وترى نويرة "ضرورة وضع برنامج يومي وتنظيم الحياة لجهة المحافظة على مواعيد الأكل والنوم وتخصيص بعض الوقت للمطالعة ولمراجعة الدروس"، شارحة أنّ "الحجر المنزلي لا يعني تداخل الأوقات وتغيير أوقات النوم لدى الأطفال. فالنوم ضروري لنموّ الأطفال وللمحافظة على صحتهم وعلى تركيزهم. فالاضطرابات ونقص النوم يؤثران على سلوك الطفل ويجعلانه أكثر عنفاً وتوتراً".

وتتابع نويرة أنّه "في ظل غياب الأنشطة الترفيهية، لا بدّ من ابتكار أخرى مشتركة في داخل البيت، ولمَ لا العودة إلى ألعاب قديمة مارسناها في صغرنا". وإذ تشير إلى أنّ "الاستغناء عن الإنترنت والشاشات غير ممكن واقعياً"، تؤكد أنّ "في الإمكان ترشيد استخدامهما بطريقة مقبولة من خلال تحديد الوقت ونوع البرامج". وتوضح أنّ "ثمّة فضاءات تُفتح تدريجياً، بالتالي من الممكن اصطحاب الأطفال لممارسة المشي أو التجوّل واللعب في حديقة الحيّ مثلاً. من جهتهنّ، في إمكان الأمهات العاملات إيداع أطفالهنّ في الحضانات ورياض الأطفال. أمّا الأمهات اللواتي لا يعملنَ أو لم يعدنَ بعد إلى العمل، فإنّه من المفضّل الاستفادة من فترة الحجر المنزلي للبقاء مع صغارهنّ، لا سيّما أنّ الأمهات لا يقضينَ عادة وقتاً كافياً مع أطفالهنّ بسبب ضيق الوقت. هكذا، من الممكن الاستفادة من الحجر المنزلي في ممارسة أنشطة مشتركة كالطبخ والتنظيف وأخرى ترفيهية".



وتلفت نويرة إلى أنّ "تداعيات الحجر المنزلي مستقبلاً ستختلف بحسب طريقة تصرّف كلّ والدَين مع أطفالهما في خلال هذه الفترة"، موضحة أنّ "التداعيات لن تكون نفسها على الأطفال الذين حافظوا على ساعات النوم والترفيه واللعب نفسها وعلى من لم يفعل. كذلك فإنّ للعوامل النفسية والذاتية دوراً مهماً، إذ من يعاني من قلق نفسي قد يزيد توتّره في الحجر المنزلي. من جهة أخرى، فإنّ الفضاء يؤثّر كذلك على الأطفال، فالشقق تختلف عن بيوت الريف مثلاً". وتحذّر نويرة من "وضع الطفل في فضاء مغلق وعدم تمكينه من اللعب والتواصل مع أقرانه، سواء في خلال فترة الحجر المنزلي أو بعده، لأنّ العزلة في المنزل من شأنها أن تجعل الطفل مرتبطاً بوالدَيه ولا يتّكل على نفسه، ولا يكتسب مهارات اجتماعية، ويعجز عن تكوين علاقات وبالتالي تصير شخصيته هشّة".