أشهر 3 منتخبات لم تفز بكأس العالم(3): هولندا 74

10 يونيو 2014
صورة أرشيفية من نهائي 1974 بين هولندا وألمانيا الغربية(Getty)
+ الخط -

رغم عدم فوزه باللقب العالمي، وقتها، إلا أن أداء منتخب "الطاحونة" الهولندية، في مونديال عام 1974، ما زال عالقاً في الذاكرة، وربما كان المنتخب الأفضل على الإطلاق في كل بطولات كأس العالم، لكن الحقيقة المُرَّة أنه لم يفز باللقب، وخسر النهائي أمام صاحبة الأرض والضيافة، ألمانيا الغربية، (2 – 1)، رغم تقدمه في النتيجة بهدف مبكر في الدقيقة الثانية عن طريق نيسكينز.


ولعبت هولندا البطولة بطريقة (4-3-3)، وبأسلوب لعب الكرة الشاملة بتشكيلة ضمت كلاًّ من جونج بولويد في الحراسة، وشوربير ورايزيبرجن وهان بالإضافة إلى كرول، في الدفاع، في حين أن فان هانجيم، نيسكينز، يانسن لعبوا في خط الوسط، بينما كان ثلاثي الهجوم هو يوهان كرويف، جوني ريب ورينسنبرينك.


على المقلب الآخر، بدأت هولندا البطولة بفوز مهم على الأوروجواي، بهدفين مقابل لا شيء من إمضاء جوني ريب، ثم تعادلت مع السويد من دون أهداف، قبل أن تكتسح بلغاريا بأربعة أهداف مقابل هدف، في مباراة سجل فيها كرول هدفاً في مرماه، لتصعد إلى الدور الثاني والأخير في مجموعة ضمت منتخبات البرازيل والأرجنتين وألمانيا الشرقية، حيثُ لقبها المتابعون بمجموعة الموت.


وقدمت "الطواحين" أداءً إعجازياً خلال تلك المجموعة، وفازت بالمباريات الثلاث على التوالي، فاكتسحت الأرجنتين برباعية نظيفة من إمضاء يوهان كرويف (هدفين)، وهدف لكلٍّ من ريب وكرول، ثم فازت على ألمانيا الشرقية بهدفين لنيسكينز ورينسنبرينك، قبل أن تفوز على البرازيل بكل سهولة (2 – 0)، في مباراة شهدت تألقاً أسطوريّاً من الثنائي كرويف ونيسكينز.


وبالنسبة إلى المباراة أمام الأرجنتين، لعبت هولندا بطريقة جديدة بعض الشيء على أندية كرة القدم وقتها، حيث الضغط العالي الراديكالي من أول الملعب حتى آخره، حيثُ يستلم الدفاع الأرجنتيني الكرة، يجد أمامه كل الهجوم الهولندي في حالة ضغط مستمر، وثلاثيّاً أماميّاً يضغط، وخلفه ثلاثي في الوسط مدعوم بظهيري الجنب ومدافع آخر متقدم من العمق، أي أن تسعة لاعبين يتمركزون في نصف ملعب الأرجنتين.


وبمجرد قطع الكرة، تقوم هولندا بتمرير أكثر من كرة حتى تصل إلى كرويف، الذي يراوغ الحارس ويُسجل هدفاً رائعاً، واستمر الأداء على هذا الشكل طوال فترات المباراة، إلى درجة أن المنتخب الأرجنتيني لم يحافظ على الكرة أثناء المباراة أكثر من دقيقة واحدة، إما مخالفة أو عبر خطف الكرة وصنع هجمة مثالية تنتهي بهدف أو فرصة ضائعة.


في حين عرف أداء الهولنديين أمام "راقصي التانجو" فيما بعد طريقة الضغط المتقدم في كرة القدم، وكان النواة الأولى والحقيقية لما يعرف بلعبة الدفاع المتقدم الممزوج بالضغط العالي المكثف، وحتى يومنا هذا فإن كل جمهور كرة القدم اللاتينية ينظر بعين الإعجاب والتقدير إلى المنتخب الهولندي التاريخي، الذي وضع نجوم بلاد الفضة في موقف لا يحسدون عليه طوال التسعين دقيقة.


أما المباراة الأخرى، التي صنعت إعجازاً كروياً آخر في الكأس نفسه، فكانت لقاء هولندا والبرازيل وانتهت بفوز البرتقالي (2 – 0)، وكانت قيمة هذه المباراة أنها جاءت بعد فوز البرازيل بالبطولة السابقة لمونديال 74 التي أقيمت في المكسيك عام 1970، وقتها قدمت "السامبا" أداء بطوليّاً، وفازت في النهائي على إيطاليا بالأربعة، لكنها وقفت كالتلاميذ أمام درس الهولنديين في بطولة 74.


في المقابل فإن الفارق بين منتخب البرازيل 70 وهولندا 74 هو أن المنتخبين قدما كرة قدم جميلة وجذابة هجومية وممتعة، لكن البرازيل سيطرت عليها اللمحات الفردية بشكل واضح، بينما غلب على أداء المنتخب الهولندي الطابع الجماعي، الأمر الذي جعل جميع المشجعين يقفون له تقديراً واحتراما لما قدموه من أداء كروي يدرّس في الملعب.


وكانت قيمة المنتخب البرازيلي في المهارات الكبيرة، التي يتمتع بها لاعبوه، لذلك حاول رينوس ميتشيلز أن يجعل الملعب ضيقاً قدر المستطاع بالضغط العالي على حامل الكرة، وحصر "السامبا" في نصف ملعبهم، وبمجرد بداية الهجمة للمنتخب اللاتيني، يصعد كرويف ومعه ثنائي هجومي آخر لكي يضغطوا جميعاً على حامل الكرة مع ثلاثي في الوسط ورباعي آخر في الدفاع، ليخلقوا ثلاثة خطوط قريبة من بعضها تماماً، في وقت شكل المنتخب الهولندي فيه هجوماً كالأمواج المتلاطمة في بحر شديد الهياج، ثلاثي خلفه ثلاثي ووراءهم رباعي، لا مساحات كبيرة بينهم ولا فراغات، مجموعة تتحرك معاً كوحدة واحدة من الخلف إلى الأمام، في اتجاه مرمى المنتخب البرازيلي، في ظل ضغط عالً مشّدد لم يسمع عنه أحد من قبل أو يراه، الأمر الذي صُنف صيحة جديدة في عالم كرة القدم.


وفي حال مرّ لاعب برازيلي من الأمواج، ونجح في عبورها، يقع مباشرة في مصيدة التسلل، إذ أن لاعبي "السامبا" كانوا يبدعون في بلادهم من خلال كسر المصيدة عن طريق المراوغة لأكثر من لاعب، والانفراد بالمرمى، أو رفع الكرة من فوق المدافعين، وانطلاق لاعب من الخلف إلى الأمام في قلب الدفاع، لكن أمام الهولنديين لا يوجد وقت أو مساحة أو أي تهاون يسمح للخصم بالمراوغة أو التمرير.


لم تـُسمن مهارات السامبا ولم تـُغـْنِ من جوع، خرج كاجو في الدقيقة الستين بينما لم يفعل جيرزينيو، نجم مونديال 70، أيّ شيء يُذكر، أما النجم ريفيلينو، فحاول بشكل فردي لكنّ جماعية الطواحين كانت لها الغلبة، حيثُ تحركات كرويف في الهجوم مع صعود الظهير كرول لكي يلعب كجناح صريح، بالإضافة إلى تمريرات واختراقات نيسكينز، التي وضعت منتخب رينوس ميتشيلز في المقدمة بهدفين لتفوز هولندا وتصعد لمواجهة ألمانيا الغربية في النهائي الكبير.

نهائي السبعينيات

يعتبر نهائي مونديال 1974 بين منتخب هولندا ونظيره الألماني بمثابة "كلاسيكو" حقبة السبعينيات من القرن العشرين، الطاحونة الهولندية بقيادة كرويف ونيكسينز وكرول والبقية أمام الألمان مع القيصر بينكباور والهداف جيرد موللر والحارس العظيم سيب ماير. إنه لقاء العمالقة بكل ما للكلمة من معنى.


وأصبح المنتخب الهولندي، بعد إقصائه الأرجنتين والبرازيل، المرشحَ الأوّلَ للفوز بالبطولة بسبب أدائه الجماعي وقدراته الفنية الكبيرة، مع مدرب عبقري وضع أسس الكرة الشاملة بشكل صحيح، لكن الطاحونة تأثرت بشدة من مباراة البرازيل الأخيرة قبل النهائي، حيث كان اللقاء حماسياً وفيه كمٌّ كبير من الشد والجذب واللعب العنيف بين المنتخبين، لذلك ورغم الصعود إلا أن أداء المنتخب البدني قلّ كثيراً خلال المباراة النهائية، بينما اعتمد الألمان على إمكانيات حارسهم العملاق وأهداف موللر والتألق غير العادي للقيصر، فرانز بيكنباور، الذي أعطى مفهوماً عصريّاً وحديثاً لمركز قائد الدفاع في اللعبة، الذي كان في الماضي لاعباً دفاعياً بحتاً يقوم بالتغطية الخلفية أمام المرمى، لكن القيصر نجح في إضافة بُعد جديد للمركز، ألا وهو بداية الهجمة ولعب التمريرات السحرية من الخلف إلى الأمام، بالإضافة إلى صعوده المثالي كلاعب مندفع من دون رقابة.


بدأت المباراة بشكل سريع، تمريرات متبادلة من الهولنديين دون لمس الكرة من الألمان، إذ يعود كرويف المهاجم إلى الوسط، ويستلم الكرة ليمر من كل من يقابله، ويحصل على ضربة جزاء صحيحة، يترجمها نيسكينز إلى هدف التقدم في الدقيقة الثانية، لتكون بداية مثالية لفريق ميتشيلز، الذي حاول بعدها أن يستمر في تقدمه لكن كان للألمان كلمة أخرى، في حين أن بيكنباور لعب في هذه المباراة كصانع لعب متأخر من العمق، المركز، الذي يلعب فيه بيرلو وتشافي وبوسكيتس الآن، هو ذلك اللاعب الذي يستلم الكرة أمام مرماه ويُخرجها بشكل سليم إلى المهاجمين، والأجنحة في الثلث الهجومي الأخير، ويضغط لاعبو المنتخب الهولندي لكن فرانز بمهارته وعبقريته يخرج من المأزق بتمريرة طولية محكمة، أو لعب تمريرة إلى زميله ثم الجري إلى الأمام لكي يستلمها فيما يعرف بألوان "تو باس".


لكن ألمانيا عادت بركلة جزاء ثم سجلت هدفاً ثانياً للهداف الكبير، جيرد موللر، قبل نهاية الشوط الأول، وخلال الشوط الثاني حاول كرويف وزملاؤه كثيراً لكن دون جدوى، ليفوز الألمان باللقب ويخسر الهولنديون مباراة كانت في المتناول، لكنهم في النهاية حصلوا على احترام وتقدير الجميع، لتظل الأجيال تقصّ وتحكي عن هذا المنتخب وتلك الكرة التي قدموها طوال سنوات السبعينيات.

المساهمون