أسوار طائفيّة تعزل مناطق بغداد

أسوار طائفيّة تعزل مناطق بغداد

19 يوليو 2014
يرسمون على الجدران علّهم يخفّفون من وطأتها(أحمد الروباي/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

غيّرت الجدران الخرسانية صورة بغداد تماماً. عزلت مناطقها بعضها عن البعض. قضت على نسيجها الاجتماعي وفرضت واقعاً اقتصادياً جديداً وصعباً في آن. عدا عن المشاكل الجمّة التي وجد المواطنون أنفسهم محاصرين بها.

لا تتوقف المأساة هنا. فقد تسبّبت هذه الجدران، التي يطلق عليها العراقيون اسم "الصبّات العازلة"، بترسيخ الطائفية بين المناطق. يضاف إلى ذلك عرقلة السير والازدحام المروري، عدا عن الأضرار الاقتصادية.

ويقول خالد عبد المنعم، الذي يسكن منطقة العامرية (غربي بغداد)، إن "هذه الجدران سهّلت عمل الميليشيات لناحية خطف وقتل أبناء طائفة معينة نتيجة معرفة مناطق سكنهم". ويضيف، لـ"العربي الجديد"، أن "للعامرية مدخلاً واحداً، ولا يدخلها إلا مَن يملك بطاقة سكن تؤكد إقامته فيها. ولا يسمح للضيوف بالدخول إلا من خلال حضور كفيل من سكان المنطقة".

ويتابع عبد المنعم: "تعرف الميليشيات أن أهالي المدينة من الطائفة السنية، الأمر الذي يسهّل عملها في حال أرادت الانتقام واختطاف أو قتل أشخاص من هذه الطائفة. يكفي أن يخطفوا أي شخص يخرج من هذه المنطقة". ويلفت إلى أنه "كلّما تكبّد الجيش خسائر في مواجهاته مع المسلحين في مناطق الموصل أو صلاح الدين أو الأنبار أو غيرها، تبادر الميليشيات إلى الانتقام من خلال خطف مواطنين سنّة وقتلهم".

ولا تختلف منطقة الدورة عن غيرها من المناطق السنية رغم مساحتها الشاسعة وكثافتها السكانية. فعلى الداخلين إليها أن ينتظموا في طابور طويل كي يتمكنوا من اجتياز حاجز التفتيش الذي يضم عناصر من الجيش والداخلية. يقول فؤاد العزاوي، الذي يعمل في التجارة، إن "وجود الجدران الكونكريتية تسبّب بأذى للمواطنين. أضطر أحياناً الوقوف لأكثر من نصف ساعة في الطابور قبل دخول منطقتي". ويضيف، لـ"العربي الجديد"، أن "حصر السكان في مناطقهم وإجبارهم على الخروج والدخول من منفذ واحد، ليس حلاً منطقياً"، لافتاً إلى أن "الحكومة تفتعل خلق المشاكل وإرهاق الشعب".

من جهته، يؤكد ثامر العبيدي، وهو صاحب مطعم للمأكولات الشعبية في منطقة الأعظمية، أن "الأسيجة الكونكريتية تسبّبت بأضرار اقتصادية للكثير من المواطنين". ويضيف، لـ"العربي الجديد": "لم يعد سكان المناطق الأخرى يفضّلون المجيء إلى الأعظمية، والاستمتاع بأجوائها الجميلة، والتسوّق من محالها، وتناول وجبة من مطاعمها المشهورة بالمأكولات الشعبية".

ويلفت العبيدي إلى أن "عدد زبائنه تناقص بشكل كبير بسبب الحواجز التي تقطع المناطق وتعزلها بعضها عن البعض"، مؤكداً أن "المحال التجارية تضررت هي الأخرى للسبب عينه". ويشير إلى أن "الحكومة حين عزلت المناطق بالكتل الخرسانية هذه، عزّزت الطائفية لدى الناس الذين صاروا يتخوّفون من الدخول إلى المناطق الأخرى خشية القتل لأسباب طائفية".

أما الضابط عدنان سعدون، فيقول إن "الأسيجة الكونكريتية تُقلّل من خطر الإرهاب داخل المدن"، لافتاً إلى أنها "منعت دخول سيارات مفخخة إلى هذه المناطق، ما يعني أن الحكومة حافظت على أرواح الناس".