أسر ضحايا 11 سبتمبر يقاضون السعودية... بحثاً عن تعويضات

أسر ضحايا 11 سبتمبر يقاضون السعودية... بحثاً عن تعويضات

07 فبراير 2015
أسر ضحايا الهجمات يسعون للحصول على تعويضات (ماريو تاما/Getty)
+ الخط -

من النادر أن تصدر السفارة السعودية لدى الولايات المتحدة بياناً تعلق فيه على أي قضية سياسية أو إعلامية ما لم تكن القضية في غاية الأهمية. وعلى هذه القاعدة، يمكن قراءة وتحليل البيان الذي أصدرته السفارة، مساء الأربعاء الماضي، لتنفي فيه تورط الحكومة السعودية أو أي من مسؤوليها الرسميين بأي دور في تمويل هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 على نيويورك وواشنطن.

النفي السعودي لم يكن رداً متأخراً على مزاعم ظهرت للعلن أواخر العام الماضي على لسان الخاطف المفترض رقم 20 زكريا موسوي، الذي لم يتسن له المشاركة في الهجمات ويقضي حاليا عقوبة السجن المؤبد بتهمة المشاركة في التحضير لها. لقد تجاهلت السفارة السعودية تلك المزاعم، لكن صدور البيان الآن، حتى وإن تضمن اسم موسوي ومزاعمه، سببه الأساسي على الأرجح هو دعوى تعويض قضائية خطيرة رفعها محامون لأقارب ضحايا هجمات سبتمبر على السعودية في نيويورك. ويريد المحامون على ما يبدو تجيير أقوال موسوي لصالح قضيتهم على أمل الحصول على أموال يذهب ثلثها على الأقل لصالح محامين يستميتون في تجريم أي جهة ثرية. ولهذا صيغ البيان السعودي بعبارات قانونية حرصت فيها السفارة على الدفاع عن الحكومة السعودية والمسؤولين الرسميين فيها، تاركة ما عداهم من أفراد أو تجار أن يدافعوا عن أنفسهم بأنفسهم.

وجاء البيان السعودي بعد أن أخذت المزاعم التي كان يسربها موسوي من سجنه عن تورط أمير سعودي في تمويل الخاطفين منحى مختلفاً، تطورت فيه كلمة أمير إلى أمراء. ولم تعد تلك المزاعم واردة في رسائل صادرة من شخص مشكوك في قواه العقلية بل أصبحت أقوالاً رسمية ضمن جلسة استماع في إطار التحقيق حول شكوى ضد السعودية تقدمت بها في نيويورك أسر لعدد من ضحايا هجمات سبتمبر.

وقالت السفارة السعودية في بيان الرد، الذي نشرته في موقعها الرسمي على شبكة الانترنت، إنه لا توجد أي أدلة تثبت مزاعم السجين المغربي الفرنسي، وإن "أقواله ليس لها مصداقية".

وجاء بيان السفارة على هيئة دفاع قانوني دقيق في كلماته استندت فيه السفارة لنفي التورط السعودي إلى نقطتين رئيسيتين. الأولى تتمثل في تعارض مزاعم موسوي مع نتائج ما وصفته السفارة بالتحقيق الأكثر شمولاً ودقة وكثافة في التاريخ، في إشارة إلى النتائج التي خرجت بها لجنة التحقيق في هجمات سبتمبر، وخلصت فيه إلى عدم وجود أدلة لأي تورط سعودي. والنقطة الثانية هي التشكيك في صدقية الشاهد الذي يريد محامو الضحايا الاستفادة من شهادته في تغيير حقيقة "عدم وجود أدلة"، إلى دليل قائم على قاعدة "وشهد شاهد من أهلهم" باعتبار أن موسوي من بين المشاركين في التحضير للهجمات. ومن هنا يمكن فهم سبب حرص كاتب البيان السعودي على الطعن مسبقا في شهادة الشاهد بالقول إن "موسوي مجرم مختل عقلياً باعتراف المحامين المدافعين عنه"، وبالتالي فإن "كلامه ليس له مصداقية".

وكان محامي موسوي، أثناء محاكمته في العام 2005، حاجج المحكمة الفدرالية في شمال فرجينيا بأن المتهم مصاب بحالة نفسية، يجب مراعاتها. ونجح المحامي حينها في تجنيب موسوي عقوبة الإعدام لهذا السبب.

ولم تكتف السفارة السعودية بهذه الحجج، بل أكدت في بيانها أن مزاعم موسوي تهدف فقط إلى  جذب الاهتمام إلى شخصه. لكن كاتب بيان السفارة وقع في خطأ قد يُستغل لاحقاً وهو اتهام موسوي بأنه يحاول النجاح في تحقيق ما فشل في تحقيقه من خلال الإرهاب وهو "تقويض العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة". ومكمن الخطأ أن هدفاً سياسياً كهذا لا يسعى إليه مختل عقلياً بل شخص أو قوى لها أجندات واضحة وتعي جيداً ما تريده.

ومن المعروف أن الدعوى القضائية ضد الحكومة السعودية أو أمراء سعوديين ليست الأولى من نوعها، إذ إن المحاولات جارية منذ ما بعد الهجمات لابتزاز السعودية أو تحويلها إلى ضحية تدفع التعويضات على غرار ما فعلته ليبيا في قضية لوكيربي.

ففي أوائل العام 2005، قضت محكمة في نيويورك ببطلان التهم الموجهة للحكومة السعودية ومواطنين سعوديين في ثماني قضايا رفعت أمام محكمة فيدرالية في مانهاتن نيابة عن أقارب ضحايا هجمات 11 سبتمبر. وعلق مسؤولون أميركيون حينها على ذلك القرار القضائي بالقول إن القضية مدنية ولا دخل للحكومة الأميركية بها.

وجاء في الحكم القضائي الذي أصدره قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، ريتشارد كيسي، أن المحكمة تتفهم رغبة أقارب الضحايا في إيجاد مسؤول عما حدث في 11 سبتمبر، لكن الحكومة السعودية وممثليها الرسميين ليسوا مدرجين في قائمة الداعمين للإرهاب وبالتالي لا يجوز تحميلهم مسؤولية لا شأن لهم بها. وكان في مقدمة من قضت المحكمة ببطلان القضايا المرفوعة ضدهم في ذلك العام كل من الأمير تركي الفيصل، والأمير محمد الفيصل آل سعود، ورجل الأعمال عبد الرحمن بن خالد بن محفوظ، وشركة البركة للتنمية والاستثمار والشيخ صالح عبد الله كامل، بنك الراجحي، والبنك العربي.

وفي شهادة موسوي الجديدة، التي سجلتها محكمة في نيويورك، أورد الأخير أن زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، طلب منه إعداد قاعدة معلومات حول كل من يمولون التنظيم. وأشار خصوصاً في هذا السياق إلى الرئيس السابق للاستخبارات السعودية الأمير تركي الفيصل، وإلى السفير السعودي السابق في واشنطن الأمير بندر بن سلطان. وتحدث موسوي عن دفع مبالغ تتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين دولار، مؤكداً أن "معظم المسؤولين الكبار القريبين من بن لادن كانوا ينحدرون من عائلات كبيرة في السعودية". وقال محامي المتقدمين بالشكوى، الذي أدار قسماً من جلسة استجواب موسوي، إن الأخير كان على اتصال بمسؤول ديني في السفارة السعودية في واشنطن "في شأن جهود القاعدة لشنّ هجوم إرهابي على الأراضي الأميركية"، مضيفاً أن موسوي "كان سيلتقي هذا المسؤول في واشنطن لتلقي مساعدته في مؤامرة لإسقاط طائرة الرئيس الأميركي إير فورس ون". ويسعى المحامي بذلك لإظهار دور السعودية في اعتداءات 11 سبتمبر. ومن بين الشهود الذين أدلوا بأقوالهم أمام المحكمة السناتور السابق بوب غراهام الذي أكد "ثقته بوجود صلة مباشرة بين بعض إرهابيي 11 سبتمبر والحكومة السعودية"، الأمر الذي نفته سفارة المملكة في بيانها.

وكان موسوي قد عكف خلال الشهور الماضية على كتابة رسائل بخط يده مذيلة بعبارة "العبد لله... الخاطف العشرون"، أُرسلت إلى محاكم في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ويدّعي في بعضها أن أميراً سعودياً قدّم مساعدات مالية له ولمنفذي الهجمات. ويزعم موسوي في رسائله وجود مؤامرة لمنعه من الإدلاء بشهادته حول هذا الأمير الذي لم يكشف عن اسمه. وتقول الأوساط الأميركية إن موسوي أعرب في إحدى الرسائل عن مخاوفه من التآمر على قتله والادعاء بأنه انتحر.

ومن المعروف أن موسوي، البالغ من العمر حالياً 46 عاماً، لم يشارك في "هجمات سبتمبر"، لأنه كان قد اعتُقل قبل الهجمات بفترة وجيزة بعد أن اشتبهت به مدرسة لتعليم الطيران، لأنه أراد أن يتعلم قيادة طائرات بوينغ 747 من دون أن يبدي أي اكتراث بالحصول على شهادة تخرج. واعترف موسوي، أثناء محاكمته في العام 2005، بأنه كان يخطط لمهاجمة البيت الأبيض في 11 سبتمبر، لكن وجوده في السجن حرمه من المشاركة في الهجمات.

وكان الخاطفون الـ19، وهم 15 سعودياً وإماراتيان ومصري ولبناني، قد توزعوا على أربع طائرات يقودها أربعة ممن تدربوا على الطيران، فيما أُسندت مهمة السيطرة على ركاب كل طائرة إلى أربعة من الخاطفين ذوي العضلات المفتولة. لكن الطائرة التي قادها اللبناني زياد الجراح كان عدد الخاطفين فيها أقل من المحدد، فتمكّن الركاب من الدخول معهم في عراك بالأيدي، وأُسقطت الطائرة في بنسلفانيا قبل وصولها إلى هدفها المفترض في واشنطن، وفقاً للرواية الرسمية الصادرة عن الكونغرس الأميركي في التحقيق الخاص عن الأحداث الذي أشار إليه بيان السفارة السعودية.

دلالات

المساهمون