أستانة... قصة تسع جولات لتصفية الثورة السورية

أستانة... قصة تسع جولات لتصفية الثورة السورية

30 يوليو 2018
عُقدت الجولة التاسعة في مايو (عليا راييمبيكوفا/الأناضول)
+ الخط -

اتخذت روسيا من مسار أستانة، الذي فُرض على المعارضة السورية المسلحة بالقوة، ميداناً سياسياً لتصفية الثورة السورية، وتكريس الوجود الروسي العسكري في سورية، والذي يكاد يرقى إلى مستوى الاحتلال المباشر، وباتت موسكو هي المتحكم في مفاصل القرار السوري، بعد أن حوّلت النظام إلى مجرد واجهة منحت للروس "مشروعية" البقاء طويلاً في شرقي المتوسط. وقد بدأ مسار أستانة بمحادثات متعلقة بالجانب العسكري الميداني في سورية، قبل نجاح روسيا في تحويله إلى مسار عسكري أمني سياسي، متأملة بجعله منافساً لمسار جنيف.

وتبدأ، اليوم الإثنين، اجتماعات الجولة العاشرة من مسار أستانة الخاص بسورية، ولكن هذه المرة في مدينة سوتشي الروسية على البحر الأسود، بسبب نقل مقره من قبل الروس، في محاولة واضحة من موسكو للقول إنها باتت تمتلك كل مفاتيح الحل السوري، وأن الصراع حُسم لصالحها.

وحاولت الولايات المتحدة التقليل من شأن هذه الجولة ومن المسار برمته، من خلال رفضها دعوة روسية للحضور بصفة مراقب، مع إصرار موسكو على خلق مسار بديل أو مواز لمسار جنيف التفاوضي تحت مظلة الأمم المتحدة، في محاولة للقفز فوق المرجعيات الدولية للحل في سورية. ولم ينجح مسار أستانة في وضع حلول ناجعة للعديد من أزمات القضية السورية، بل نجحت موسكو من خلاله في منح النظام وقتاً كافياً مكّنه من تصفية المعارضة، خصوصاً في جنوب سورية ووسطها وقرب دمشق.

وكانت عقدت الجولة الأولى من مفاوضات مسار أستانة، يوم 23 يناير/كانون الثاني 2017، بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعقب خروج المعارضة السورية المسلحة من أحياء حلب الشرقية وفق اتفاق روسي تركي، بدا أنه كان البذرة الأولى لمسار أستانة. وأكدت الجولة الأولى على الحل السياسي في سورية، وشددت على ضرورة الالتزام بسيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية، كما توصلت وفود روسيا وتركيا وإيران إلى اتفاق على إنشاء آلية ثلاثية لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار في سورية.

وعقدت الجولة الثانية من مفاوضات أستانة، في 15 فبراير/شباط 2017، وتمخّضت عن تشكيل مجموعة عمل ثلاثية (روسية وتركية وإيرانية) لمراقبة وقف الأعمال القتالية، وتشكيل آلية لتبادل المعتقلين بين قوات النظام والمعارضة المسلحة. وقاطعت المعارضة السورية الجولة الثالثة من المفاوضات التي انطلقت في 14 مارس/آذار 2017، بسبب عدم التزام النظام وحلفائه بوقف إطلاق النار، واتفقت الدول الراعية للمفاوضات (تركيا وروسيا وإيران)، في هذه الجولة، على تشكيل لجان لمراقبة الهدنة والخروق، ولجان لمتابعة ملف المساعدات، وأخرى لملف الأسرى والمعتقلين.

ويعد ملف المعتقلين في سجون النظام من الملفات الشائكة في القضية السورية، إذ ضرب النظام بقرارات دولية عرض الحائط، أبرزها القرار 2254، ومناشدات المنظمات الدولية، ورفض إطلاق سراح عشرات آلاف المعتقلين الذين قضى عشرات الآلاف منهم تحت التعذيب في سجون النظام السرية والمعلنة. وعُدّت الجولة الرابعة من المفاوضات التي انطلقت في 4 مايو/أيار 2017 من أبرز جولات هذا المسار؛ إذ اتفق الثلاثي الضامن لاتفاق وقف إطلاق النار، على إنشاء أربع مناطق لخفض التوتر التي تشمل كامل محافظة إدلب وأجزاء من ريفي اللاذقية وحلب الغربي، ومنطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق، وريف حمص الشمالي، وجنوب سورية، والتي تجاوز النظام لاحقاً ثلاثة منها وسحق المعارضة فيها بمساعدة روسية، ولم يبق منها إلا محافظة إدلب شمال غربي البلاد المهددة باقتحامها من النظام قريباً.



وفي الجولة الخامسة من المفاوضات التي انطلقت يوم 4 يوليو/تموز 2017، فشلت الدول الضامنة الثلاث (روسيا وتركيا وإيران) في التوافق على رسم حدود مناطق خفض التصعيد الأربع في سورية. وعقدت الجولة السادسة من مفاوضات أستانة في 14 سبتمبر/أيلول 2017، وتمخضت عن رسم حدود مناطق خفض التوتر الأربع المعلنة، خصوصاً في إدلب التي بقيت محل خلاف في الجولات السابقة، و"إنشاء مركز تنسيق مشترك تركي روسي إيراني، يهدف إلى تنسيق أنشطة قوات مراقبة خفض التوتر".

وعُقدت الجولة السابعة من المفاوضات في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2017، ولكنها انتهت من دون تحقيق نتائج تذكر، خصوصاً على صعيد المعتقلين في سجون النظام، أو إدخال مساعدات للمناطق المحاصرة. وعقدت الجولة الثامنة من مفاوضات في 21 ديسمبر/كانون الأول 2017، وتمخضت عن تحديد موعد مؤتمر في سوتشي بروسيا، نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، للحوار بين المعارضة والنظام، والذي أثار جدلاً واسعا بعد عقده. كما تمخضت الجولة الثامنة عن اتفاق الدول الضامنة على تشكيل مجموعتي عمل بخصوص ملف المعتقلين في سجون النظام وإزالة الألغام، ولكنها بقيت حبراً على ورق.

وعقدت الجولة التاسعة من مسار أستانة في 14 مايو/أيار الماضي، بغياب الولايات المتحدة، ولم تحمل نتائج مهمة على صعيد حل أزمات الصراع في سورية، خصوصاً ملف المعتقلين الذي كان بين أبرز الملفات العالقة في الجولات السابقة للمفاوضات في أستانة.

وأصدر الثلاثي الضامن، في ختام جولة المفاوضات، بياناً مشتركاً أكدت فيه روسيا وتركيا وإيران استعدادها لمواصلة الجهود المشتركة لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254، ودعم تنفيذ توصيات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي. وحاولت موسكو، خلال جولات التفاوض، فرض دستور كتبه خبراء روس للسوريين، ولكن المعارضة رفضت مسعى موسكو التي نجحت في فرض رؤيتها للدستور بعد ذلك في مؤتمر سوتشي.

وتعقد الجولة العاشرة وسط انخفاض كبير لسقف الآمال في تحقيق اختراق حقيقي على صعيد ملفات الصراع، خصوصاً أن النظام وحلفاءه الروس نسفوا كل مقررات الجولات السابقة، وسيطروا على ثلاثة من مناطق خفض التوتر، هي الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي وجنوب سورية. كما لم يجر أي تقدم على صعيد المعتقلين، بل إن النظام شرع في الإفراج عن أسماء آلاف المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب، في تحد واضح، ليس لمسار أستانة فحسب، بل للمجتمع الدولي على الجملة.

واتخذ النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون تفاهمات أستانة ذريعة للقضاء على المعارضة، بسبب ثغرات واضحة في هذه التفاهمات، تحديداً على صعيد محاربة الإرهاب. وسيطرت قوات النظام منذ بدء مسار أستانة على أغلب مناطق المعارضة، وهجّرت عشرات آلاف السوريين، وارتكبت مجازر منها بأسلحة محرمة دولياً. أي أن مسار أستانة كان مسار تصفية الثورة والقضية السورية، وبات من الواضح أن مرحلة إعادة تأهيل نظام الأسد بدأت. ولعل أستانة 10 في سوتشي محطة مهمة في هذه المرحلة.



المساهمون