أحلام مرهونة

أحلام مرهونة

29 مارس 2014
+ الخط -

المنزلُ جميلٌ. لا غبارَ عليه. ليس شبيهاً بذلك الذي يكبر في مخيلتنا يوماً بعد يوم. لا حديقة صغيرة، أو منظرٌ يأخذك إلى بحرٍ أو جبلٍ، فتصدح فيروز حتى من دون أن تُشغّل الراديو. هو بيتٌ تقليدي بغرفٍ أربع وشرفة بالكاد تتسّع لطاولة صغيرة وكرسيّين وبعض الأزهار على الدرابزين. كأنني بذلك أتوهّم الطبيعة. يطلّ على زاروب لحي  يغلب عليه الهدوء، ربما بعدما تقدّم معظم أهله في السنّ، حتى بات بطيئاً في حركته. تميل ألوانه إلى الأبيض والأسود ليبدو انعكاساً لزمنٍ يتغنون بجماله رغم أنني لم أعرفه.

لكنه جميلٌ ودافئ. والأهم من كل ذلك: "لقطة". عرضه صاحبه للبيع بربع مليون دولار فقط، أو 240 ألف دولار. خدعة لفظية. فالألف دائماً أهون من المليون. قال إنه سيهاجر إلى أسترالياً، ويترك بيته الصغير في بيروت إلى الأبد، بحثاً عن آخر في بلدٍ آمن، لا يرهن مستقبلك.

نعود إلى المنزل. إنه جميلٌ لكن القرار صعب. شيءٌ في داخلي يحرضني على عدم رهن نفسي لمصرف مدة ثلاثين عاماً، ليمنحني قرضاً يساعدني على شرائه. ألم يهزم العالم العبوديّة، أم هكذا قيل لنا؟ لكن الدولة العاجزة بل الرافضة تطبيق سياسة إسكانية جيدة لا بد أن تكون موجودة في أحد أدراج مجلس النواب، في مقابل "خدعة" تسهيل القروض السكنية المدعومة منها بحجة مساعدة الناس، هي نوع من الاستعباد. أعلمُ كل تلك الترهات حول انخفاض قيمة الليرة اللبنانية مع مرور الوقت. لكن ذلك لا يعتقني من "الرهن". هكذا يقبض عزرائيلٌ مصرفي على روحي ثلاثين عاماً، قبل أن يسلّمها إلى عزرائيل الملاك، بعدما أكون قد شارفت على الموت بفعل تقدمي في السن.

تَسرُقُ القروض السكنية جزءاً من روحنا، وتمنّنا بـ "البيت" الذي يتحول مع بلوغ الثلاثين إلى حلمنا شبه الوحيد. نعمل لأجله، تدخّر المال لأجله. نحب ونكره ونكتئب ونناضل في سبيله. وحين نجده، يأخذنا رهينة.

المنزلُ جميلٌ إلى درجة قد يحرمني من حضور الأمسيات الفنية والموسيقية والأعمال المسرحية، أو الذهاب إلى السينما والمشاركة معنوياً في تقييم جوائز الأوسكار. جميلٌ وجلّاد. وقد نجح في سجني إلى الأبد.