أجهزة الاستخبارات الأميركية لا تثق بترامب "المتقلب"

أجهزة الاستخبارات الأميركية لا تثق بترامب "المتقلب"

16 ديسمبر 2019
ترامب يعتبر مكتب التحقيقات الفدرالي من خصومه(اليكس وونغ/Getty)
+ الخط -

لم تكن علاقة دونالد ترامب بأجهزة الاستخبارات الأميركية يوماً، أكثر توتراً مما هي عليه الآن، فالرئيس الأميركي لا يصغي إلى رؤساء الأجهزة ويتجاهل أهمية المصادر ويأخذ قرارات مفاجئة من دون أن ينبههم.

وكثيراً ما تصادم الطرفان، كما حدث، في مايو/أيار، عندما وافق ترامب، في إطار مساعيه للدفاع عن نفسه بوجه اتهامات بالتواطؤ، على رفع السرية عن ملفات التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2015.

بعد بضعة أسابيع، أعلن مدير الاستخبارات الوطنية دان كوتس، عزمه الاستقالة من رئاسة 17 وكالة تشكل مجتمع الاستخبارات.

واقترح ترامب خلفاً لكوتس جون راتكليف عضو الكونغرس المعروف بترديده نظريات المؤامرة على شبكة "فوكس نيوز" الإخبارية. لكن راتكليف اضطر لسحب ترشحه أمام الانتقادات الحادة له.

لكن الرئيس تخطى سو غوردون، نائبة كوتس، التي كانت أولى بمنصب المديرة بالإنابة.

وقالت غوردون، التي أمضت ربع قرن في وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه"، لمجموعة "ويمنز فورين بوليسي"، هذا الشهر، إن ترامب أول رئيس "في تجربتي لم تكن لديه أسس أو إطار لفهم ما هي حدود الاستخبارات، وما هو الهدف منها وطريقة مناقشتنا لها".

وقالت إنّ جواب ترامب كان كالمعتاد: "لا أعتقد أن هذا صحيح".

وأكد تلك التجربة محلل سابق في "سي آي إيه" يعمل حالياً لدى معهد مرموق في واشنطن.

إيجاز الرئيس من "فوكس آند فريندز"

وقال المحلل "عندما كنت في سي آي إيه، كان الأهم تقديم مادة في الإيجاز الصحافي الرئاسي اليومي. كان ذلك دائماً مسألة كبيرة".

وأضاف المحلل السابق الذي عمل في عهد الرئيسين جورج بوش الابن، وباراك أوباما، "كنت أعلم أن كليهما كان يأخذ هذه المسألة ببالغ الجدية".

ومع ذلك، فإنّ وزير الخارجية الحالي مايك بومبيو، كان أول مدير لـ"سي آي إيه" في فترة ترامب. وأصبح شخصية محورية في الإدارة، ويواظب على زيارة البيت الأبيض لتقديم الإيجازات، وهو ما يقدره ترامب. تابع "الآن، لدي الانطباع بأن (ترامب) لا يأبه بما يقدّم إليه، مهما كان، والحقيقة أنه يحصل على إيجازه الصحافي من فوكس آند فريندز" أحد برامجه التلفزيونية المفضلة.

لكن الرئيس يعتبر مكتب التحقيقات الفدرالي "إف بي آي"، الذي فتح التحقيق بشأن تدخل روسيا في انتخابات 2016، من خصومه.

والأسبوع الماضي، قال ترامب إن مدير "إف بي آي"، الذي عينه بنفسه، كريستوفر راي، "لن يتمكن على الإطلاق من إصلاح" الوكالة التي تعاني من "خلل كبير". وكان لتصريحاته أثرها.


وفي نهاية 2018 استقال وزير الدفاع جيم ماتيس، على خلفية خطة ترامب سحب الجنود الأميركيين من سورية.

ومع وصف الرئيس ماتيس، الجنرال السابق في المارينز الذي شارك في معارك، بأنه "أكثر جنرال أعطي أكثر من حجمه في العالم"، شعرت كافة الأجهزة الاستخبارية والعسكرية بالإهانة.

وقال محلل الإشارات السابق في سلاح البحرية براين بيركينز، والذي يعمل حالياً لدى معهد "جيمس تاون" للأبحاث، إنّ "الناس مستاؤون بشكل غير عادي".

وأضاف "إنهم يعرضون ما يعتقدون أنها أكبر مخاوفهم، وكيفية التصرف، ويتم تجاهلهم كليا".

وغادر العديد من عناصر مجتمع الاستخبارات، بحسب بيركينز، لشعورهم بالقلق، خصوصاً إزاء الاستياء الذي واجهه ماتيس بشأن سورية وأفغانستان.


الحاجة إلى عقلية منفتحة

وقال بيركينز إنّ "الاستخبارات ينبغي أن تكون موضوعية لكن إذا كانت الأمور لن يتم استيعابها والإصغاء لها بعقلية منفتحة، فما الهدف؟".

في يناير/ كانون الثاني، وصف الرئيس أجهزة الاستخبارات بـ"الساذجة" حيال التهديد الذي تمثله إيران.

وكتب على "تويتر" "ربما يتعين على الاستخبارات أن تعود إلى المدرسة"، لكنه أكد في وقت لاحق أنه يتفق معها في المواضيع الرئيسية.

وقرر ترامب، أخيراً وبشكل مفاجئ، في أكتوبر/تشرين الأول، سحب الجنود الأميركيين من الحدود التركية السورية، تاركاً حلفاء واشنطن الأكراد في مواجهة الهجوم التركي.

والنتيجة كانت فوضى تامة. فإلى جانب تقويض تحالف مهم، عزز الانسحاب الأميركي الموقع الإقليمي لروسيا، المنافس الاستراتيجي لواشنطن.

لعب الأكراد دوراً حاسماً في الحرب ضد تنظيم "داعش" وتعقّب زعيمه أبو بكر البغدادي.

ويعد التشارك في المعلومات بين الدول أمراً بالغ الأهمية في الحرب ضد الإرهاب، لكن فورات ترامب تترك تداعياتها.

وقال الخبير في مكافحة الإرهاب بجامعة "جورج تاون" في واشنطن دانيال بايمان، إن "من الصعب، من الناحية السياسية، التعاون مع الولايات المتحدة".

وأضاف "ترامب يساهم في إثبات أن الغرب يخوض حرباً ضد الإسلام". وتابع "هذه بعض الطرق كما أظن (التي تظهر) أن تجاهل المستشارين مسألة خطيرة".


ومع دخول الولايات المتحدة، التي تشهد استقطاباً حاداً، سنة الانتخابات، تتصاعد المخاوف. ومع ذلك فإن مجتمع الاستخبارات ملتزم باحترافيته وبحس الواجب تجاه البلاد.

وقال سيث جونز الذي خدم في أفغانستان، وهو حالياً خبير بشؤون مكافحة الإرهاب في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، "يمكن للاستخبارات أن تستمر بالتأثير على كبار صناع القرار. الرئيس لم يكن إطلاقاً المستهلك الوحيد للمعلومات الاستخباراتية".

وأضاف "ما زال من المهم جمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية، والولايات المتحدة لا تزال منخرطة في العديد من العمليات التي لا تتطلب تفويضاً رئاسياً".


(فرانس برس)

المساهمون