"يوغا الضحك"... علاج من نوع آخر في الضفة الغربية المحتلة

16 يناير 2019
يحتاج المجتمع إلى مزيد من الضحك (بولا برونشتين/ Getty)
+ الخط -

الضحك
من دون سبب لم يعد قلة أدب، كما كان يتناقله الناس كمثل شعبي في فلسطين، بل بات وسيلة مبتكرة لعلاج الاكتئاب وتفريغ ما في النفس من ضغوط وتوترات من خلال "يوغا الضحك"

أن يكون الضحك شائعاً واعتيادياً بل مفيداً أيضاً، فهذا أمر يبدو غير مألوف لدى الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، إذ سرعان ما يتلقى النقد والتوبيخ من "يجرؤ" على الضحك بصوت مرتفع ومتواصل.

على هذا الأساس، حاولت الفلسطينية منال دنديس، أن تقلب المقاييس وتعطي للضحك مكانة محترمة ومفيدة في المجتمع الفلسطيني، فبدأت منذ سبتمبر/ أيلول الماضي نشاطاً جديداً في فلسطين، لكنّه بات معروفاً حول العالم، وهو "يوغا الضحك" كوسيلة مثبتة علمياً للعلاج وتخفيف الضغوط الحياتية. بدأت دنديس نشاطها من مدينتها الخليل في جنوب الضفة الغربية. وربما بدأت من أصعب مكان على الإطلاق، إذ يتسم أهل مدينة الخليل بالجدية، وبالتمسك بالعادات والتقاليد الاجتماعية العريقة، ومنذ تلك اللحظة عرفت أنّها سائرة في الطريق الصحيح، إذ نجحت في إقناع كثيرين ومن بينهم الفئة التي عارضت "يوغا الضحك" بالمشاركة.




"يوغا الضحك" علم ابتكره الطبيب الهندي مادان كاتاريا، من خلال مجموعة من الأبحاث التي أعدّها عام 1995 حول تأثير الضحك على المرضى من ناحية تسريع شفائهم، كما تأثيره على جهاز المناعة لديهم. وما زال كاتاريا مدرباً ناشطاً لـ"يوغا الضحك"، والدورة التدريبية المقبلة سيقدمها في بنغالور الهندية بين 4 و8 فبراير/ شباط المقبل، وهو المشهور بضحكته الدائمة في أيّ صورة تلتقط له.

تقول دنديس، وهي سفيرة منظمة "يوغا الضحك الدولية" في الشرق الأوسط، لـ"العربي الجديد" إنّ ثمة شروطاً يجب توافرها حتى تتحقق الفائدة من الضحك، منها أنّ الضحك يجب أن يكون عميقاً، أي الضحك من البطن، وأن يكون متواصلاً من 10 إلى 15 دقيقة. التحدي هنا هو كيفية الحصول على الفائدة من الضحك من خلال تزويد الجسم بالأوكسجين اللازم لتفادي أعراض الضحك الجسدية ومنها المغص أو الصداع أو الشعور بالدوران، وهذا يلزمه الكثير من الأوكسجين، ومن هنا جاءت فكرة "يوغا الضحك". ومن أهم شروط تحقق ذلك أن يكون الضحك من دون سبب. وبحسب دنديس، فإنّ العقل إذا أعطي أسباباً منطقية للضحك لن يضحك، وإن ضحك يضحك لوقت زمني قليل، فالعقل مبرمج على الحزن أكثر من الضحك. وبالتالي، فإنّ الضحك المتواصل يأتي على شكل تمارين أطلق عليها اسم "يوغا الضحك" من دون سبب ومن دون نكات أو الاستعانة بالكوميديا، وتأتي من خلال افتعال الضحك.

لا يميز العقل البشري بين الضحك الحقيقي والضحك المفتعل، وينتشر الضحك من خلال العدوى من دون سبب حتى، وفي شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عملت دنديس على تأسيس نادي "ضحكة فلسطين" في جامعة "بوليتكنك فلسطين" في مدينة الخليل، حيث يجري تنظيم ضحك مجموعة من الأشخاص في مكان مغلق وفي بيئة آمنة، لأنّ الضفة الغربية المحتلة غير مناسبة للضحك في الشوارع والأماكن العامة غالباً. توضح دنديس أنّ المجموعة تخضع لتمارين الضحك، وهي مصنفة بحسب الفئة العمرية أو الحالة العامة؛ كالأطفال وكبار السن والنساء الحوامل، وكلّ فئة لديها تمارين خاصة تتناسب معها.

يبدأ النشاط بافتعال الضحك، وبعد فترة قصيرة يتحول إلى ضحك حقيقي على شكل عدوى، ويصل إلى التأثيرات، ومنها "كوكتيل السعادة". فالأشخاص الذين يمارسون "يوغا الضحك" ليسوا في حاجة لأخد مضادات الاكتئاب والمسكنات والمهدئات كون "يوغا الضحك" تحسن المزاج من خلال تمارينها خصوصاً التنفس.

تنتشر يوغا الضحك اليوم في 106 دول، من بينها فلسطين، وبدأ نادي "يوغا الضحك" فيها بممارسة أنشطة كثيرة منها فعاليات مع مرضى السرطان، والأشخاص ذوي الإعاقة، والمراكز النسوية، والنساء اللواتي يتعرضن لضغوط، بالإضافة إلى التلاميذ والموظفين حتى.




لاقت يوغا الضحك ترحيباً في فلسطين، وسجلت دنديس ردود فعل كبيرة في الضفة الغربية المحتلة، وثمة الكثير من الرسائل الموجهة إليها عبر مواقع التواصل الاجتماعي طلباً لممارسة "يوغا الضحك" لتخفيف ضغوط الحياة، وهو ما جعلها تطمح إلى زيادة الانتشار إلى جميع مدن وبلدات الضفة الغربية المحتلة بما فيها مدينة القدس، الأمر الذي دفعها إلى تدريب وتخريج سبعة مدربين فلسطينيين لتغطية احتياج السوق الذي بدأ بطلب يوغا الضحك.

يبدو غريباً أن يضحك الناس من دون سبب بغرض التخلص من الضغوط أو تخفيف الألم، لكنّ دنديس تمكنت، في نهاية المطاف، من التغلب على الفئة التي انتقدت الفكرة وعارضت وجودها، وهذا ما تشير إليه ردود الفعل الإيجابية، وزيادة تواصل الأفراد والشركات والمؤسسات المجتمعية معها.