"مترو المدينة": الـ"هيلا هو" في مواجهة المُقاطعة



"مترو المدينة": الـ"هيلا هو" في مواجهة المُقاطعة



07 يناير 2020
من عرض "ليالي في حب الثورة" (فيسبوك)
+ الخط -
وصلت القوى السياسية؛ وتحديداً أحزاب السلطة في لبنان، إلى مرحلة الإفلاس في مواجهة منتفضين لا يملكون أي شيء سوى أساليب الاحتجاج السلمي، من الهتافات وصولاً إلى المسيرات والاعتصام والإضراب. ولمّا كانت شرارة الانتفاضة اللبنانية، التي اندلعت في 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قد طاولت كل بيت لبناني، بعدما نالت الأزمة الاقتصادية، التي وُلدت وتعتاش من الفساد والمحسوبية، من أبسط الأمور المعيشية، وامتدت إلى مختلف الأنشطة والقطاعات، حيث صار المواطن يستغلّ أيّ نشاط أو مساحة للتعبير عن غضبه واحتجاجه؛ وجدت السلطة نفسها عاجزة عن المواجهة فاختارت التحريض تارة أو المقاطعة تارة أخرى. وهذا ما حصل مع "مترو المدينة"، أمس، إذ دعا التيار الوطني الحرّ إلى مقاطعته ردّاً على الـ"هيلا هو"، الهتاف الشهير للانتفاضة اللبنانية، الذي استهدف وزير الخارجية ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل.

وقد استهدفت الانتفاضة الللبنانية وزير الخارجية ورئيس "التيار الوطني الحر" أكثر من غيره، لأسباب كثيرة. أولها أنه رئيس تيار سياسي يعتبر الأكثر استفزازاً ضمن التيارات الموجودة في السلطة، وذلك بسبب سيل الخطابات الطائفية والعنصرية التي غزت الساحة اللبنانية منذ انتخاب ميشال عون (مؤسس التيار وعمّ باسيل) رئيساً للجمهورية. ثاني هذه الأسباب أنه يمثل السلطة الجديدة التي بدأت تحل جزئياً مكان الحريرية السياسية، التي كانت لفترة طويلة محرّك الغضب الشعبي.

هكذا أصبح هتاف "هيلا هو" بسرعة رمزاً للانتفاضة اللبنانية. إذ صدح خلال الأسابيع الأولى في أغلب الساحات، للتأكيد أن الشتيمة فعل سياسي أيضاً، وجزء من روحية الثورات العربية، وأنّ استعمالها "رمزي" وليس حرفياً كما يريد بعضهم الإيحاء.

في الوقت نفسه، واجهت السلطة سلاح الشتم بكل الطرق: من رموزها، كأمين عام حزب الله حسن نصر الله الذي اعتبر أن الشتيمة تشويه لسمعة الانتفاضة، داعياً مناصريه للانسحاب من الساحات، وصولاً إلى وكلاء السلطة الإعلاميين والموجودين ضمن الانتفاضة نفسها، الذين استعملوا خطابات لا تختلف كثيرا عن خطاب نصر الله، وواجهوا هتاف الـ"هيلا هو" في الساحات من خلال السيطرة على المنصات الصوتية، أو من خلال استبدال الهتاف بنماذج أقل حدة.

ساهم هذا في تراجع الشتائم واختفائها تدريجياً من الساحات، أمام الحرب التي قادتها السلطة. لكن رغم ذلك، نشهد اليوم عودة تدريجية للشتيمة، حتى لو كان ذلك في فضاءات تقع بين العام والخاص، كما يحصل أحياناً في الفعاليات الجماهيرية التي تضم مناصرين للثورة.

يحصل هذا في وقت يتزامن مع عودة باسيل إلى الواجهة مجدداً خلال الأسابيع الماضية، وظهوره كعراب لحكومة حسان دياب التي بدأت تظهر بوادرها تدريجياً. لذلك، يحاول التيار الوطني الحر استدراك نفسه واستباق الموجة التي تستهدفه، من خلال تكثيف القمع بحق الثوار، عبر أعمال عدائية تستهدف فضاءاتهم.

من هذه الأعمال، مثلا تكسير الخيم في ساحة الشهداء من قبل قوات الأمن، أو استدعاء الناشطين الذين يستهدفون التيار على وسائل التواصل الإجتماعي، من قبل مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية. بالإضافة إلى الطلب من المناصرين مقاطعة الفضاءات الموالية للانتفاضة من أجل تخويف القائمين عليها، كما حصل يوم أمس حين طلب "التيار الوطني الحر" من جميع الملتزمين والمناصرين مقاطعة كل العروض في "مترو المدينة" (الحمرا ــ بيروت) لأنها "فقدت قيمتها الحضارية والثقافية وتحولت إلى منصة للشتائم"، وفق البيان الذي صدر عن التيار الوطني الحر وإذاعته الـ OTV.

استهداف "مترو المدينة" يأتي بسبب الهتافات التي يشهدها المكان خلال الحفلات، من قبل الجمهور وليس الفنانين المشاركين في العروض، بالإضافة إلى الدور الذي يلعبه المكان في إعادة توجيه البوصلة إلى الأهداف الأصلية للانتفاضة، وتحوله إلى فضاء يجتمع الثوار ضمنه.

يستضيف المكان منذ شهرين عروضا تحت عنوان "ليالي في حب الثورة" ، تضم حفلات لفنانين يمتلكون قاعدة جماهيرية في الانتفاضة. حولت هذه العروض الهتافات التي أطلقتها الانتفاضة في أيامها الأولى إلى أعمال فنية، مكرسة بذلك قيمتها "الحضارية والثقافية" التي تواجه خطاب الثورة المضادة، الذي يريد التقليل من قيمة الهتافات وإظهارها كعيب "يشوه قيمة التظاهرات".

يأتي ذلك في وقت يعيد الإعلام تعويم جبران باسيل، فيطلّ غداً على قناة "الجديد"، محاولاً إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 17 أكتوبر/تشرين الأول. لكن ما دام الشارع، ومسارحه الخاصة والعامة، تزعج باسيل وباقي أساسات السلطة، فالعقارب ستتابع تقدّمها الطبيعي نحو مستقبل آخر.

المساهمون