"قصر الأحلام"

"قصر الأحلام"

12 سبتمبر 2015
تطالب بحل أزمة النفايات (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

"إن فكرة السلطان بإنشاء سرايا طابير أو قصر الأحلام تعتمد على أن هناك فوق سطح الكرة الأرضية حلماً يحمل نبوءة ما، بنفس العفوية والبساطة التي ينطلق بها شعاع ضوئي، أو يُرسم فيها قوس قزح. تُقذف إشارة إلى هذا الكون، من دون الاهتمام بمكان وقوعها. لذا، من مهمتنا اكتشاف مكان وقوع الحلم، وتمييزه من بين ملايين ومليارات الأحلام الأخرى. فتفسير هذا الحلم الذي يسقط كشعاع ضوئي ضائع في دماغ واحد من ملايين النائمين، يمكن أن يساعد على تفادي كارثة تصيب البلاد أو سلطانها على تجنب الحرب أو الطاعون. ليس لقصر الأحلام أي سمة من سمات الفانتازيا، بل إنه يشكل دعامة من دعامات الدولة".

"سرايا طابير" هذه، تقع في رواية "قصر الأحلام" لإسماعيل كاداريه. يستقبل القصر يومياً الآلاف من أحلام المواطنين، ويعمل على فرزها وتحليلها. من خلالها، تحمي الدولة نفسها، إذ إن أسرار العالم تتوزع على البشر، وتأخذ شكل أحلام.
في لبنان، لا يحتفظ المواطنون بأحلامهم ولا يكتبونها على قصاصات ورقية. لا يرون بالضرورة بقرة هزيلة أو ثوراً غاضباً أو ساحرة تحمل أطفالاً إلى كوكب آخر. باتت أحلامهم مباشرة، لا تحتاج إلى قصر وكمّ هائل من الموظفين لتحليلها. هذه تحلم بألا تضطر إلى صعود ستة طوابق مشياً، وهي تحمل طفلها وحقيبته، لأن الكهرباء مقطوعة. وهذا يحلم بأن ينام. أكثير هذا؟ العاصفة الرملية أجبرت الناس على إحكام إغلاق النوافذ. وما زاد الطين بلّة هو انقطاع الكهرباء طوال الليل، فلم ينم من شدّة الحر. لم يحتج إلى النوم، ليحلم بأنه ينام بضع ساعات.

كان المواطنون ليقبلوا كل هذا لو لم يجدوا أنفسهم يعيشون وسط النفايات. بعد قليل، لن تنفع كل وسائل التعقيم في تنقية الخضار والفواكه من الجراثيم. ربما تنازلوا عن حقوق كثيرة حسبوها ترفاً. قبلوا أن يموتوا بين الحين والآخر على باب مستشفى أو نتيجة تسمّم أو غيره. اليوم، لم يعد الموت موسمياً. مع ذلك، لا يخشى السلاطين على أنفسهم. والأحلام التي يرفعها الناس على شكل لافتات لا تخيفهم. هؤلاء يؤمنون بأن الأحلام لا تتحقق. كلام الليل يمحوه النهار. وماذا عن كلام النهار؟

للبنانيّين أحلام اليقظة. يروونها للمعنيين. يخبرونهم بأن "الطاعون" الذي أقلق سلاطين في ما مضى، آتٍ لا محالة. لكن هؤلاء بنوا قصور أحلام مختلفة. بيوتهم وأولادهم محصنون ضدّ أحلام البشر. وإلى أن يأتي الطاعون أو الكوليرا أو غيرهما، لن يغيّروا قناعاتهم. الأحلام لا تتحقق، مهما كثرت الأبقار الهزيلة أو الثيران الهائجة.

اقرأ أيضاً: صار لك بحر

المساهمون