"فرق الموت" العراقية تعود من دمشق إلى بغداد

"فرق الموت" العراقية تعود من دمشق إلى بغداد

08 سبتمبر 2014
تحاصر الشرطة مداخل نهر دجلة يومياً (علي السعدي/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
على ضفاف نهر دجلة الذي يشقّ بغداد إلى ضفتين، تنتشر الفرق المختصة التابعة للشرطة فجر كل يوم عند منطقة الكاظمية، الضاحية الشمالية لبغداد، وذلك لانتشال الجثث الطافية في النهر، بينما تحرص قوات الشرطة وفرق شبابية خيرية على تفتيش مكبات النفايات في بغداد صباح كل يوم، لانتشال الجثث قبل دخول معدات الفرم الألمانية وآليات إعادة تدوير النفايات إليها. وارتفعت أعداد الجثث بفضل انتشار الميليشيات الطائفية بكثافة في بغداد، حيث تختطف وتقتل على الهوية.

وينتشل فريق قائد الشرطة النهرية في بغداد العقيد أسعد حميد يومياً ما معدله ثماني إلى عشر جثث، ويحرص الفريق على عدم ترك أي جثة تعبر وسط بغداد، حيث الرصافة والجسر والزخم السكاني الكبير في تلك المناطق، إذ إن مشاهدة تلك الجثث ستكون دليلاً على كذب الحكومة والأجهزة الأمنية، التي لا تزال تنفي باستمرار تحوّل عمليات القتل على الهوية إلى ظاهرة.

ويقول حميد في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "غالبية الضحايا الذين يتم انتشالهم من النهر شبان يتم قتلهم ثم رميهم ليلاً، وغالبية الضحايا من مكوّن مذهبي واحد".

ويضيف "نحن نعتقد أن الميليشيات تقف وراء تلك الجرائم، لكنها تنفي بالرغم من أنها الجهة الوحيدة المخوّلة بالخروج ليلاً في ساعات حظر التجول".

وباتت العاصمة خاضعة بشكل كامل لسيطرة الميليشيات المسلّحة التي ارتفع عددها أخيراً إلى 22 ميليشيا جميعها ترتدي الزي العسكري الرسمي أو ملابس الشرطة، وتستخدم آلياتهم وتحمل شارات ملوّنة تميز كل ميليشيا عن الأخرى.

وتعتبر أحد أخطر أنواع الميليشيات في بغداد تلك الآتية من سورية أخيراً، والتي تتميّز بنفوذها داخل مفاصل الدولة والمؤسسة العسكرية والأمنية ونوعية الأسلحة والمعدات التي تستخدمها، وتُتهم من سياسيين سنّة وزعماء عشائر بـ"الوقوف خلف غالبية الجرائم ذات الطابع الطائفي، ومنها مجزرة جامع مصعب في ديالى ومجزرة سجن الرصافة"، الذي اختُطف منه 87 معتقلاً قيد التحقيق وأُعدموا على مقربة من السجن.

ويقول مسؤول رفيع في وزارة الداخلية العراقية لـ"العربي الجديد"، إن "ما لا يقلّ عن 12 ألف عنصر من ميليشيات داعمة للرئيس السوري بشار الأسد، انتقلوا إلى بغداد منذ مطلع الشهر الماضي، وما زالوا يتوافدون إليها غالبيتهم من جنسيات عراقية".

ويضيف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "تلك الميليشيات كانت تقاتل طوال السنوات الماضية في دمشق وريفها ومناطق أخرى من سورية، وانتقلت إلى العراق باتفاق بين نظامي الأسد ورئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، فضلاً عن إيران المموّل الرئيسي لها. وباتت هذه الميليشيات بديلاً عن عناصر الحرس الثوري الذين تلاشوا مع التدخل العسكري الأميركي".

ويتابع المسؤول "بسبب انهيار أغلب قطعات الجيش العراقي أمام ضربات الفصائل المسلّحة وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، باتت تلك الميليشيات حجر الزاوية لحكومة نوري المالكي والقادة السياسيين في البلاد، إذ نجحت في تحقيق توازن قوة وحماية بغداد من الاقتحام لكن لها مساوئ كبيرة على الحياة العامة داخل العاصمة". وأوضح أن "تلك الميليشيات أكثر شراسة ولديها عقيدة دينية تساعدها في الاستمرار بالقتال، مع وجود دعم مفتوح لها من حكومة بغداد وتغاضٍ كامل عن تصرفاتها في الشارع التي اتسعت لتشمل عمليات إعدام ميدانية وقتل على الهوية الطائفية واختطاف".

من جهته، يكشف مدير وحدة الإحصاء في وزارة الصحة أحمد حسين، لـ"العربي الجديد"، أن "ما لا يقلّ عن أربعين جثة لشبان يتم العثور عليها في المزابل تُسلّم أسبوعياً لمستشفيات العاصمة".

ويضيف حسين أن "من يُلقى في النهر بعد قتله محظوظ، لكن من يُرمى في مكبّات النفايات سيكون عرضة لكل أنواع الحيوانات الضالّة التي تنتشر هناك، ومع الأسف جميعهم مدنيون يتم قتلهم".

ورفع أعضاء الميليشيات الآتية من سورية إلى العراق أعلاماً خضراء تحاكي علم تنظيم "داعش" الأسود وكُتب عليها "الدولة العلوية في العراق والشام"، ووُزعت في مناطق مختلفة من العاصمة من دون أن تعترض الحكومة أو أي من مؤسسات الدولة الأمنية. ويشير القيادي في "الحراك الشعبي" الشيخ وليد الحمداني في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الميليشيات تقوم عقب كل خسارة بشرية لها مع الفصائل المسلحة أو داعش، بعمليات قتل في بغداد بحق شبان سنّة".

ويضيف الحمداني "قاموا الإثنين الماضي، الذي صادف فشل اقتحامهم لمدينة تكريت، بمداهمة جامع، شرقي العاصمة، واعتقلوا 21 مصلياً، عثرنا عليهم لاحقاً جثثاً هامدة في منطقة مهجورة في مدينة الصدر، وعليهم آثار تعذيب وإطلاق نار في الرأس". ولفت إلى أنه "بالرغم من علم الشرطة بالحادثة وتفاصيلها، ومشاهدة كاميرات المراقبة في الجامع، إلا أنها سجّلت الحادث على أنه اعتداء إرهابي من داعش!".

ويصف سكان العاصمة بغداد تلك الميليشيات بأوصاف عدة منها "ماعش" (ميليشيات شيعية)و"داعش". ويؤكد المواطن عبد السلام الكرخي لـ"العربي الجديد"، أن هؤلاء الميليشيات "إرهابيون يقتلون على الهوية ويعيثون بالأرض فساداً. عطّلوا القانون والنظام وبات كل شيء تحت سيطرتهم بدعم من المالكي، وهم يستخدمون أساليب تنظيم داعش نفسها، بل وباتوا يقلّدون عملياتها لكن بغطاء رسمي ودعم حكومي، وأخيراً رفعوا صوراً للأسد والمرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي".

ويضيف أن "جرائم تلك الميليشيات تجعل العراقيين السنّة في كل العراق لا يحاولون مجرد التفكير بالوقوف مع الحكومة أو مساعدتها في التصدّي للجماعات المسلحة ومنها تنظيم داعش، لأن الوقوف معها يعني الوقوف مع تلك الميليشيات".

المساهمون