"فتوى لاهاي": ورقة ضغط فلسطينية لوقف بناء الجدار العازل

"فتوى لاهاي": ورقة ضغط فلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي لوقف بناء الجدار العازل

09 يوليو 2019
الفتوى غير ملزمة لدولة الاحتلال (العربي الجديد)
+ الخط -

بعد مرور 15 عاماً على إصدار محكمة العدل الدولية في لاهاي، فتوى بشأن عدم شرعية وقانونية وضرورة هدم الجدار العازل الذي بنته دولة الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، وابتلع المزيد من أراضيها، فإن جدوى هذه الفتوى بالنسبة للفلسطينيين لا تعدو كونها توصية غير ملزمة للمجتمع الدولي، من أجل اتخاذ قرار لصالحهم بشأن جدار الفصل العنصري والاستيطان.

ومنذ صدور الفتوى عن المحكمة الدولية في 9 يوليو/تموز 2004، وحتى الآن، يحاول الفلسطينيون استخدامها كورقة للضغط على دولة الاحتلال لوقف بناء الجدار العازل، إذ تخرج فعاليات وتظاهرات تطالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة بضرورة إلزام إسرائيل بهذه الفتوى، كما جرى اليوم، الثلاثاء، حينما سلّم ممثلون عن القوى الوطنية والإسلامية في محافظة رام الله والبيرة مذكرة إلى مكتب المنسق العام للأمم المتحدة في مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية، خلال وقفة نظمت هناك، بالذكرى السنوية للفتوى، والتي رفع فيها المشاركون لافتات تدين الصمت الدولي، وتعتبره أكبر مشجع للاحتلال في جرائمه، وتطالب بالعمل على إنهاء الاحتلال ومحاسبته.

وتضمنت المذكرة التي سلمت إلى مكتب الأمم المتحدة في رام الله، وفق ما يوضح منسق القوى الوطنية والإسلامية في محافظة رام الله والبيرة، عصام بكر، لـ"العربي الجديد"، التمسك بالحقوق الوطنية بعد مرور هذه الأعوام على الفتوى الدولية، كما أكدت على أنه "لا يمكن أن تبقى القرارات الدولية مكدسة في الأدراج دون معاقبة إسرائيل وتطبيق عشرات القرارات الدولية، فيما طالبت بإنفاذ القانون الدولي بما يتعلق بمحاكمة دولة الاحتلال على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، والعمل على إزالة الاستيطان الاستعماري بصفته أعلى أشكال الإرهاب وجريمة حرب حسب القانون الدولي".

وطالبت المذكرة بتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وإنفاذ القانون الدولي، بالعمل بشكل مباشر لوضع الآليات الدولية لإنهاء الاحتلال، ومحاكمة ومحاسبة دولة الاحتلال وتطبيق البنود المتعلقة بتفعيل القانون الدولي تمهيداً لبدء الإجراءات الفعلية بخطوات ملموسة للمحاسبة، كما طالبت بإيفاد لجان تحقيق دولية فاعلة في ظل تصاعد البناء الاستيطاني ومضاعفة الاستيطان، وبتشجع ودعم أميركي مفتوح، ضمن مخطط يستهدف تصفية القضية الوطنية عبر بوابة الحلول الاقتصادية المجزوءة، وما يسمى تحسين الظروف المعيشية، في محاولة للالتفاف على الحقوق الفلسطينية.

مرتكز قانوني 

ويؤكد منسق القوى الوطنية والإسلامية في محافظة رام الله والبيرة، عصام بكر، أن هذه الفتوى الدولية هي عبارة عن "مرتكز قانوني هام صدر قبل خمسة عشر عاماً، وصادرة عن أعلى جهة قانونية دولية حتى الآن، وتتحدث عن وحدة الأراضي الفلسطينية جغرافياً وسياسياً، وعدم مشروعية الاستيطان الاستعماري بكل أشكاله فوق الأرض الفلسطينية بما فيها جدار الفصل العنصري، وتعويض المتضررين جراء هذا الجدار"، مشدداً على أن المطلوب هو إرادة دولية حقيقية لإنفاذ القانون الدولي.

ويشير بكر إلى أنه "يجب على القيادة الفلسطينية والمؤسسة الرسمية الفلسطينية التعامل بجدية مع الفتوى، وأن تعمل على تفعيل القرارات الدولية باتجاه المسعى للمحكمة الجنائية الدولية، ومحاكمة مجرمي الحرب في إسرائيل".

وجاء حديث الناشط السياسي عمر عساف لـ"العربي الجديد"، موافقاً لمطالبة بكر، حيث قال "إن المطلوب من السلطة الفلسطينية بذل جهد بتفعيل الفتوى، وفي حال واجهت أيّ صعوبات نبحث جميعا كيف نتجاوزها، ولكن قبل كل شيء على السلطة قبل كل ذلك بذل الجهد، وهناك إمكانية لبحث التوجه لمحكمة العدل الدولية ومحكمة جرائم الحرب وغيرها لمحاكمة الاحتلال، إذ إن انضمام فلسطين لعدد من المعاهدات الدولية أتاح  للفلسطينيين محاكمة الإسرائيليين".

ويشدد عساف على أن الدور الأساسي الآن مناط بالسلطة الفلسطينية، ويمكن لمؤسسات المجتمع المدني أن تدعم توجه السلطة وتحثها على ضرورة العمل لتفعيل الفتوى، معتبرا أن الحراك الفلسطيني الذي يتكرر في ذكراها، يؤكد على التمسك بتلك الفتوى الدولية، والتي تتعارض الآن هي وكل القرارات الدولية مع كل ما يقوم به الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وما يطرحه من خطط.



غير ملزمة لإسرائيل

وما يجب التنبه له بعد 15 عاماً على صدور هذه الفتوى، والتي عرفت باسم "فتوى لاهاي"، هو أنها مجرد فتوى وليست قراراً، وهي غير ملزمة لإسرائيل على الإطلاق، وفق ما يؤكد الخبير في القانون الدولي حنا عيسى، في حديث لـ"العربي الجديد"، موضحاً أن الفتوى عامل مساعد لتثبيت الحق الفلسطيني بأن الجدار الذي بني خارج حدود العام 1967 غير قانوني وغير شرعي ويجب هدمه وإعادة الأمور إلى نصابها وتعويض السكان المدنيين عن الضرر الذي لحق بهم.

ويشدد عيسى على إشارة الفتوى إلى أن الاستيطان الإسرائيلي غير قانوني وغير شرعي، ويجب تطبيق قرارات مجلس الأمن المتعلقة بهذا الشأن، خاصة القرارين 446 و465، وهما قراران مباشران أشارا إلى الاستيطان الإسرائيلي، بينما هناك 17 قراراً تتعلق بشأن قضية القدس، تشير إلى أن الاحتلال غير شرعي وغير قانوني، بدءاً من القرار 252 حتى نهاية القرار الأخير 2334 الذي صدر في 2016 عن مجلس الأمن الدولي. ويقول في هذا الإطار "إن كل قرارات الشرعية الدولية تؤكد على ذلك، رغم أنها صدرت استناداً إلى الفصل السادس، وليس للفصل السابع باستخدام القوة، إذاً هذه الفتوى هي معنوية لا أكثر ولا أقل".

وجاء استخدام الفلسطينيين لهذه الفتوى في كل المحافل الدولية، كوسيلة لتذكير المجتمع الدولي بأن هناك فتوى من لاهاي يجب تطبيقها والعمل على إحقاقها، واتخاذ قرارات بشأنها، ويشير عيسى إلى أن هذه القرارات التي يحاول الفلسطينيون استصدارها هي موسمية عندما يكون هناك مجال للحديث، وخلافا لذلك لا يستطيعون فعل شيء على الإطلاق بسبب استخدام أميركا لحق النقض "الفيتو"، حينما يحاول الفلسطينيون الحصول على أي قرار في هذا المجال.

ويؤكد الخبير في القانون الدولي حنا عيسى، أن "فتوى لاهاي" عبارة عن  توصية صادرة عن محكمة العدل الدولية في لاهاي، والتي تستند في ذلك إلى المادة السادسة والتسعين نفسها من نظام لاهاي الملحق بميثاق الأمم المتحدة في سنة 1945.

تذكير للمجتمع الدولي

ورغم أن الفتوى غير ملزمة لإسرائيل، فإنها تأتي في سياق تذكير المجتمع الدولي من الناحية المعنوية فقط، بأن الجدار العازل غير قانوني وغير شرعي، ويجب أن يزول، لأنه بني على مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية المحتلة في الرابع من حزيران/ يونيو العام 1967، مع العلم أن القرارين 242 و338 أشارا إلى أنه يجب على إسرائيل الانسحاب حتى حدود الرابع من حزيران عام 1967، وفق ما يوضح عيسى.

وشرعت إسرائيل منذ العام 2003 ببناء جدار الفصل العنصري، واستمر بناؤه حتى الآن وقضم مساحات واسعة من أراضي الضفة الغربية، حيث يأتي الجدار بطول 725 كيلومترا، بدءا من الأغوار في أريحا وانتهاء بسلسلة الجبال في الخليل، وبعمق 104 كيلومترات في داخل مستوطنات الضفة الغربية، بينما تبلغ كلفته 8.5 مليارات شيكل إسرائيلي.

فتوى فلسطينية بطلب عربي

حينما أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي هذه الفتوى جاءت بعدما بنت إسرائيل الجدار العازل، حيث توجهت المجموعة العربية بطلب من الفلسطينيين إلى الجمعية العمومية بطلب فتوى بهذا الاتجاه، وحينها قامت المحكمة الدولية بواجباتها واتخذت هذه الفتوى، التي تحدثت عن جدار الفصل العنصري فقط، إلى أن أضيفت لها بنود تتعلق بالاستيطان وبطلانه، وعمليات الهدم وتعويض المدنيين الفلسطينيين.



وتقع الفتوى، وفق ما يوضح حنا عيسى، في أكثر من 30 صفحة، إذ أصدرت حينما اجتمع 15 قاضياً في محكمة العدل الدولية، وقرروا أن الجدار العازل غير قانوني وغير شرعي وبني على أراضٍ محتلة، في مخالفة لقواعد القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 والبرتوكول الملحق بها عام 1977، بالإضافة للانتهاك الصارخ لاتفاقية لاهاي عام 1907، فيما تتحدث البنود الأساسية للفتوى عن مخالفة إسرائيل لقواعد القانون الدولي الإنساني، ولقواعد القانون الدولي المتحضرة المرعية، إضافة لمخالفتها لفرع حقوق الإنسان الذي هو فرع لا يتجزأ من القانون الدولي.