"غورغون"... رحلة قناع أثري من الجزائر وإليها

"غورغون"... رحلة قناع أثري من الجزائر وإليها

27 اغسطس 2020
(قناع "غورغون" في موقع "هيبون" الأثري بعنّابة)
+ الخط -

في 2011، وبعد سقوط نظام زين العابدين بن علي في تونس، عُثر على قناع "غورغون" الأثري، الذي سُرق عام 1996 مِن "متحف هيبون" في مدينة عنّابة، شرقي الجزائر، داخل بيت صخر الماطري؛ صهرِ الرئيس التونسي المخلوع، بمدينة سوسة. ودحض ذلك رواية السلطات التونسية التي قالت، بعد العثور على القناع عام 2009 في مدينة المنستير، بأنّها قامت بحفظه في مخازن "المعهد الوطني للتراث".

حينها، أعلنت وزارة الثقافة الجزائرية أنّها أودعت دعوىً لدى الشرطة الدولية لاسترجاع القناع الذي أوفدت فرقةً من الخبراء في مجال الآثار إلى تونس للتعرُّف إليه، بعد بثّ قناةٍ تلفزيونية تقريراً عن العثور على مئة وستّين قطعةً أثرية في بيت الماطري، والذي تابعته السلطات التونسية لاحقاً بعدّة تُهم من بينها تهريب تحف أثرية، وتحويل أملاك محمية بشكل غير قانوني، وامتلاك تحف أثرية غير مصرَّح بها.

وبالفعل، تحقَّق ذلك بعد ثلاث سنوات؛ إذ تأخّر استرجاع "غورغون" حتى إبريل/نيسان عام 2014. وحينها، قالت وزيرة الثقافة الجزائرية السابقة، خليدة تومي، إنَّ هذه القطعة سُرقت "حين كانت الجزائر منشغلةً بمحاربة الإرهاب من أجل إنقاذ الجمهورية"، مُعتبرةً الاسترجاع بمثابة "استعادة لممتلك تراثي للأمّة الجزائرية وجزءٍ من كيانها وهويّتها الثقافية"، في حين قال وزير الثقافة التونسي آنذاك، مراد الصقلي، إنّ القطعة تُعدّ "ملكاً وحقّاً للشعب الجزائري".

سُرق عام 1996 وعُثر عليه في 2011 بمنزل صهر الرئيس التونسي المخلوع

وقبل الوصول إلى تلك المحطّة، تسبّب القناعُ، الذي يعود إلى العهد الروماني، وتحديداً إلى نهاية القرن الثاني للميلاد، بخلافاتٍ بين الجانبَين الجزائري والتونسي، بدأت بعرض القطعة الأثرية في أحد المعارض بتونس؛ وهو ما أثار استنكار وزارة الثقافة الجزائرية التي اعتبرت ذلك منافياً لقوانين "اليونسكو"، ليردّ وزير الثقافة التونسي في ذلك الوقت، مهدي مبروك، بالقول إنَّ القناع يحظى بحمايةٍ خاصّة من وزارته، وإنّ تسليمه للجزائر سيتمُّ بمجرّد الانتهاء من بعض الإجراءات القانونية.

بعد استلامه، كانت وجهة "غورغون" هي "المتحف الوطني العمومي للآثار" في الجزائر العاصمة، وليس "متحف هيبون" في عنّابة، وهو ما برّره المسؤولون الجزائريون بأسباب أمنية؛ حيث قال وزير الثقافة الأسبق، عز الدين ميهوبي، في 2017، إنَّ "متحف هيبون" في عنّابة (تأسّس عام 1868) "يحتاج إلى حماية أكبر".

وقبل أيّام، انتهت رحلة "غورغون" التي استمرّت قرابة أربعةٍ وعشرين عاماً؛ إذ أُعيد أخيراً إلى "متحف هيبون". وقالت وزيرة الثقافة الحالية، مليكة بن دودة، إنَّ "استرجاع هذه التحفة سيسمح ببعث حركية بالموقع الأثري في مجال السياحة الثقافية".

يُذكَر أنَّ القناع مصنوعٌ مِن الرخام الأبيض ويزن قرابة 320 كيلوغراماً، وقد اكتُشف خلال حفريات بقيادة الآثاري الفرنسي بيير شوبو بالقرب من الموقع الأثري "هيبون" (المدينة الرومانية) في عنّابة عام 1930. ويُجسّد القناع وجه ميدوسا (في الأسطورة الإغريقية) التي أغضبت الإلهة أثينا فحوّلتها إلى امرأة بشعة بِشَعر مشكّل من الثعابين، ويتحوّل كلّ من ينظرُ إليها إلى حجر.

المساهمون