"صَهر المسلمين" ورقة ساركوزي لـ"العودة" انتخابياً

"صَهر المسلمين" ورقة ساركوزي لـ"العودة" انتخابياً

15 فبراير 2015
يطرح ساركوزي فكرة صهر المسلمين (فيليب ديسماسز/فرانس برس)
+ الخط -
تخيّم حالة من الارتباك في الوسط السياسي الفرنسي، في ظل الفشل في التعاطي مع موضوع الإسلام. ويُجمع المسؤولون على ضرورة التعاطي مع الموضوع بحذر وبطريقة مختلفة، بعدما أظهرت التجربة فشل المقاربة المعتمدة. ومما لا شك فيه أن الإسلام سيكون مادة دسمة للسياسيين في المناكفات الانتخابية، وهو ما يظهر في السجالات الدائرة حالياً، خصوصاً في تصريحات نيكولا ساركوزي.
 
ويُقدّر عدد الجاليات العربية والمسلمة المقيمة في فرنسا بستة ملايين شخص. وكان رئيس الحكومة إمانويل فالس، قد كشف عن نيته تنظيم سلسلة مشاورات حول موضوع الإسلام، تهدف إلى التركيز على التمويل الخارجي للديانة الإسلامية، وخطابات الأئمة.

كذلك أعلن الرئيس فرانسوا هولاند منذ أيام عن نيته عدم إدخال أية تعديلات على قانون 1905، حول فصل الدين عن الدولة، في وقت تتكاثر فيه التصريحات والتفسيرات بشأن موضوع الإسلام الذي يصفه البعض بـ "الإسلام السياسي"، والبعض الآخر بـ "الإسلام المتشدّد".

في مقابل موقف الرئيسين الفرنسيين، برز موقف لليمين، وتحديداً من قبل حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، بعدما أعرب الرئيس السابق نيكولا ساركوزي عن نيته في التعامل مع  موضوع  الإسلام كـ "أولوية"، ووضعه في المرتبة الأولى في سلّم اهتمامات الحزب ونقاشاته الدائرة، "كي لا يُسمّم الملفات الأخرى التي نناقشها في مرحلة لاحقة"، على حدّ تعبيره.
ورأى ساركوزي الذي يواجه انتقادات شرسة نتيجة عدم تقديمه أفكاراً ومقترحات حقيقية طوال سنوات، أنّه من الضروري إعادة "استثمار النقاش، ووضع الإسلام على الطاولة، بكل ما تعنيه الكلمة، في إطار برنامج الحزب وأولوياته".

وقال أمام المجلس الوطني للحزب قبل أيام، إنّ الأخير سيناقش "مكانة الديانة الإسلامية في فرنسا". واعتبر أنّ "المسألة ليست في معرفة ماذا ستفعل الجمهورية للإسلام، ولكن ماذا يمكن للإسلام أن يفعل كي يصبح إسلام فرنسا".
وأسّس ساركوزي عام 2003، حين كان وزيراً للداخلية، المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (cfcm)، غير أنّه أثبت فشله. وبحسب ساركوزي، فإنّ حزبه سيخصص في بداية شهر أبريل/نيسان "يوماً كاملاً لبحث موضوع الإسلام" بعد الانتخابات.
 
ويتولّى إدارة هذا الملف هنري غينو، مستشار ساركوزي السابق في الإليزيه، وهو نائب عن إقليم الإيفلين، إضافة إلى عمدة تركوان النائب جيرالد دارمانان. وقال الأخير إنّ الهدف من الاجتماع المرتقب للحزب "هو تقديم حلول لما ينبغي أن تكون مكانة الإسلام في الجمهورية". ودعا إلى اتفاق جديد يحدّد "حقوق الديانة الثانية في فرنسا".

ومن المتوقع أن يدرس النائب القوانين الموجودة والسارية، وأن يتباحث مع ممثلين عن الإسلام، ومع عدد من رؤساء البلديات ومسؤولين عن الجاليات، على أنّ يقدّم بناءً عليه تقريراً إلى الحزب. وأكّد ساركوزي أمام مستشاريه أنّ "موضوع الإسلام هام جداً، وهو أم كل المعارك". وأشار إلى أنّه "يسعى للاستجابة الضرورية إلى الهوية العميقة التي تعّم فرنسا"، وأنّ "هذا الموضوع سيكون أولوية قبل أن ينقل النقاش نحو المواضيع الاقتصادية".
وقال الرئيس السابق "سنناقش مسألة الإسلام كي لا تسمّم الأجواء، وتؤثر سلباً في نقاشاتنا المختلفة". ويبقى الهدف بحسب مصادر مقرّبة من ساركوزي هو "بلورة رد يكون بمستوى مخاوف وقلق الناخبين".

ورأى المراقبون أن "هذا الموقف هو بمثابة غمزة لناخبي حزب (الجبهة الوطنية)"، إذ إنّ ساركوزي لم يخف في الاجتماع نفسه رغبته في مواجهة حزب مارين لوبين الذي يراهن على هذه المواضيع في ارتفاع شعبيته بسبب أجواء الإسلاموفوبيا في البلاد. ويبدو أنّ ساركوزي يرغب أيضاً في وضع منافسه رئيس الوزراء السابق آلان جوبيه في مواجهة صعبة.


ويرفض فرنسوا باروان وألان جوبيه العبارة التي استخدمها ساركوزي في الحديث عن انصهار الجاليات (assimilation)؛ لأنها تعني محو الأصول، بحسب جوبيه الذي فضل الحديث عن الاندماج "لأنه يعني احترام فوارق الآخر".
ويرى مراقبون أنّ رغبة ساركوزي في إعطاء موضوع الإسلام أولوية في هذه المرحلة ينطوي على مخاطر، إذ قد يؤدي إلى وقوع انزلاقات كما حدث خلال ولايته عندما عندما أطلق النقاش حول الهوية الوطنية في خريف 2009، ونقاشاً آخر حول الاسلام والعلمانية بعد عامين على ذلك، بنصيحة من مستشاره، باتريك بويسون الذي يأتي من اليمين المتطرف.
 
واتهم ساركوزي آنذاك بأنه يصطاد في الماء العكر على أراضي "الجبهة الوطنية"، وأنه يثير نقاشات من شأنها أن تضع المسلمين الفرنسيين في قفص الاتهام. وبحسب المراقبين، فإنّ تمزق اليمين الحالي قد لا يسمح بتطور الأمور؛ وهذا يظهر في الموقف من قانون 1905، إذ إنّ ساركوزي وفرانسوا فيون لا يعترضان على تطويره وتعديله، في حين يعترض فرانسوا باروان وجوبيه على هذه المسألة. وكان هولاند قد رفض فكرة تعديل القانون، ليضع حداً لهذا السجال.
 
وفي مقابل انقسامات اليمين، تبقى نقطة توافق داخلية، تتعلق بفرض مراقبة مشددة على أئمة المساجد. وفي هذا السياق، قال ساركوزي "سيكون لنا خلافات حول مسائل جوهرية وصعبة جداً"، مشيراً إلى أنّ "النقاش حول الهوية الوطنية أدى إلى انزلاقات"، وأنه أخطأ حين "أعطى توجيهاً لوزارة الداخلية في التعامل مع ملف الإسلام، فيما كان من الأفضل إعطاؤه إلى وزارة الثقافة".

ورغم أنّ ساركوزي قال إنّ الملف شديد الحساسية، ويستحسن عدم زجّه في السجالات الانتخابية، غير أن مراقبين يرون أنّ همّ ساركوزي الأول والأخير هو كسب الأصوات "فهو يعرف أن الأرض خصبة للمشاعر السائدة ضدّ الإسلام في هذه المرحلة، ويريد أن يظهر بأنه متشدّد في خطابه لكسب الأصوات".

المساهمون