وكان أبرز هذه التغييرات الحكومية، تغيير مسمى وزارة البترول والثروة المعدنية، وإعفاء وزيرها المخضرم، علي النعيمي، وتسمية الوزارة "وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية"، وتعيين خالد الفالح، أحد أهم رجال شركة أرامكو النفطية، على رأس الوزارة بعدما تولى وزارة الصحة لقرابة السنة.
في المجمل، جاءت رؤية 2030 خالية من السياسة، لكنها تضمنت إشارات إلى تغيّرات اجتماعية لا يمكن للسعودية تجاهلها، في حال أرادت إنجاح رؤيتها. غياب السياسة عن رؤية 2030 لا يعني عدم وجود تداعيات سياسية لها، داخلية وخارجية. لكن الأهم في هذا السياق، قراءة ما تغير فعلاً، سياسياً، في السعودية، منذ 2015، والذي شمل تحولاً واضحاً في السياسة الخارجية، وتغيراً في التعاطي الإعلامي لقادة المملكة، مع صعود فاعلين جدد في الجوانب السياسية والإعلامية، بشكل غير معتاد.
كُتب الكثير عن التغيرات السياسية التي شهدتها السعودية، منذ اعتلاء العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، سدة الحكم، في بدايات 2015. تمثل هذا التغيير في استخدام السعودية قدراتها العسكرية، إقليمياً، كما فعلت من خلال قيادة التحالف العربي الذي أطلق التدخل العسكري في اليمن، ضد القوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، ومليشيات الحوثيين. كذلك قامت السعودية بالتصعيد السياسي ضد إيران، وقطع علاقتها الدبلوماسية معها، ومحاولة عزلها إقليمياً، من خلال مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي. وواصلت السعودية دعمها للمعارضة السورية المسلحة. كما رعت تكتلا سياسيا سوريا واضحا، يتولى المفاوضات السياسية، ممثلا بالهيئة العليا للمفاوضات. كذلك بدأت السعودية تنشط سياسياً في الملف العراقي، وأعادت فتح سفارتها في بغداد، التي أغلقت منذ عام 1990.
في هذا السياق، لم تتحقق ترجيحات بعض المحللين السياسيين، والذين توقعوا أن السعودية ستتخلى عن نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في بدايات 2015، لكن مقاربة السعودية للملف المصري، سياسياً، اختلفت. فقد عمدت الرياض إلى إعادة بناء تحالفاتها في المنطقة، من خلال تهميش المسألة المصرية ككل. فقد تجاهلت السعودية، إلى حد كبير، مواقف الدول التي يمكن للرياض التحالف معها، لمقاربة ملفات المنطقة العالقة، من الرئيس المصري. ورعت المملكة، بصورة أو بأخرى، تسويات سياسية، بين هذه الدول، للوصول إلى أهداف أكبر في مواجهة إيران وعلى الصعيدين السوري واليمني.
ضمن هذا السياق، انعكست العلاقات السعودية القطرية إيجابياً على العلاقات الإماراتية القطرية. كما أدى تقارب السعودية مع تركيا إلى رأب الصدع ما بين أبوظبي وأنقرة، بطريقة يبدو أن هذه الدول تجاوزت تداعيات 30 يونيو/حزيران 2013، وبدأت تتعاون بصورة أو بأخرى، لمقاربة التدخلات الإيرانية في المنطقة، وأخطار الإرهاب، ومواجهة النظام السوري.
سياسة إعلامية جديدة
ربما كانت المرة الأولى تاريخياً، التي يصبح فيها مخطط السياسات الاقتصادية والتنموية السعودية، بارزاً وظاهراً إعلامياً، كما يفعل ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان. وهو مهّد لرؤيته، دولياً ومحلياً، من خلال حملة إعلامية واسعة النطاق. شملت الحملة حوارات مطولة مع مجلة "ذا إيكونوميست"، وشبكة بلومبيرغ، بالإضافة إلى حوار متلفز، هو الأول من نوعه لمحمد بن سلمان، مع قناة العربية، مواكباً إطلاق رؤية السعودية 2030.
هذا التوجه الإعلامي غير مسبوق في السعودية، ترافق مع لقاءات إعلامية محلية، أجراها رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، مع شرائح متنوعة من الناشطين في الشأن العام في السعودية، ومشاهير الـ"سوشيل ميديا"، ولاعبي كرة قدم، وممثلين، وإعلاميين، في حملة إعلامية هي الأكبر من نوعها التي يقوم بها مسؤول سعودي بهذا المستوى. وشملت الحملة لقاءات مباشرة بين الأمير وهؤلاء الناشطين، بالإضافة إلى لقاءات أخرى تحت مظلة مشروع التحول الوطني.
لم تكن اللقاءات دعائية بالكامل، بل شملت تصريحات مثيرة وناقدة، كان أبرزها انتقاد ولي ولي العهد، في لقاء قناة العربية، تقييم قدرات الجيش السعودي عالمياً، والذي اعتبر أنه لا يتناسب مع مقدار الإنفاق العسكري السعودي، فيما يمثل بصورة أو بأخرى، كسراً لأحد المحرمات في السعودية، المتمثل بانتقاد القطاعات الأمنية والعسكرية.
كما شملت تصريحات ولي ولي العهد الإشكالية، تأكيده لشبكة بلومبيرغ أن السعودية كانت على وشك الإفلاس في 2017، لولا سياسات الإنفاق التي ساهم في وضعها في 2015.
صعود فاعلين جدد
حسم العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، مسألة توريث الحكم للجيل الثاني من الأسرة المالكة، وذلك بتعيين الأمير محمد بن نايف، وليا للعهد، والأمير محمد بن سلمان، ولياً لولي العهد. وبهذا تجاوزت السعودية توريث الحكم بين أبناء الملك المؤسس، عبد العزيز بن عبد الرحمن، الأمر الذي سارت عليه منذ ما قارب السبعة عقود. هذا الصعود لفاعلين جدد في السياسة السعودية ككل، شمل صعود أشخاص آخرين من خارج الأسرة المالكة.
كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، في 23 يناير/كانون الثاني الماضي، عن "الأربعة الكبار في الحكومة السعودية". القائمة التي شملت بالإضافة إلى الملك وولي العهد وولي ولي العهد، وزيرَ الخارجية، عادل الجبير، الذي قاد دبلوماسية سعودية نشطة، وأصبح يعقد مؤتمرات صحافية بشكل شبه يومي، تعكس بصورة مباشرة نشاط السياسة الخارجية السعودية، وحيويتها، بعد 2015.
صعود عادل الجبير في السياسة السعودية، جاء متزامناً مع صعود العميد أحمد عسيري، المستشار في وزارة الدفاع، والمتحدث باسم التحالف العربي في اليمن.
لم يكتفِ عسيري بالأحاديث العسكرية التفصيلية، كما كان يفعل في بدايات عمليات عاصفة الحزم في اليمن. فقد أصبح وجهاً إعلامياً، عسكرياً، وسياسياً، ولا سيما بعد تصريحاته التي تتعلق بالاقتراح السعودي لإرسال قوات برية إلى سورية، لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، تحت مظلة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحددة منذ 2014 لمحاربة التنظيم في سورية والعراق.
ربما هي المرة الأولى في السعودية التي يبرز فيها رجل عسكري من وزارة الدفاع السعودية كمتحدث إعلامي نشط، ليصبح مع وزير الخارجية، عادل الجبير، أبرز الشخصيات المعبرة عن التغير في التوجهات السعودية، السياسية والعسكرية.