"داعش" في العراق: رواية المالكي والرؤية الغربية

"داعش" في العراق: رواية المالكي والرؤية الغربية

12 يونيو 2014
تدمير لآليات الجيش العراقي (Getty)
+ الخط -

تتمسك عواصم الغرب، على الصعيد الإعلامي والسياسي، بالرواية التي يروج لها رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، بأن الفصائل السنية العربية التي تقاتل على أرض بلاد الرافدين، هي عناصر في مجملها تنتمي الى "تنظيم دولة الاسلام في العراق والشام" ــ داعش، وأنها نقلت معركتها من سورية الى العراق.

وتركزت التقارير والتحليلات الغربية، حول الأحداث الأخيرة في الموصل والمناطق الأخرى التي سقطت بيد المسلحين، على هذه الرواية، بل ذهب بعضها الى ترجيح أن النجاحات التي حقّقها "داعش" يعود الى الحملات الدعائية الناجحة لهذا التنظيم في سورية. وقد كتبت "ديلي تليغراف" البريطانية، في مقالها يوم الأربعاء، أن "نجاح "داعش" في السيطرة على الموصل يرجع الى الحملة الدعائية الناجحة لهذا الفصيل المسلح الذي يقاتل نظام بشار الأسد في سورية. وهذه الرؤية لا تنطبق على النظرة السلبية لغالبية السنة العرب في العراق، إزاء "داعش" الذي كان ينتمي بعض عناصره آنذاك الى تنظيم"التوحيد والجهاد"، ولاحقاً تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين"، وذلك بسبب ما ارتكبه هذا التنظيم من جرائم بحقهم، خصوصاً في المناطق الغربية، مما دفعهم الى تشكيل فصائل مسلحة عُرفت بـ"الصحوات"، للتخلص من هذه الفصائل المتشددة.

واتهم المالكي مراراً، السنة العرب الذين اعتصموا لأكثر من سنتين في الأنبار، بأنهم "دواعش" أو "متعاونون مع داعش"، وأنهم أتوا من سورية لقلب نظام حكمه. حتى في خطابه الأسبوعي، يوم الأربعاء، أشار المالكي الى أن "داعش" أتى الى العراق "بعد الخسائر التي مني بها أخيراً في سورية".

ويؤكد شهود عيان من المناطق التي سقطت في أيدي المسلحين في الموصل وصلاح الدين، لـ"العربي الجديد" أن معظم الذين يقاتلون على الأرض هم من أبناء عشائر تلك المناطق. ويعزو بعضهم حرص المقاتلين على السيطرة على المناطق ذات الغالبية السنية، الى الدعم الذي يتلقاه هؤلاء من أبناء هذه المناطق، وذلك بسبب "الحيف الذي وقع عليهم من حكومة المالكي". وبحسب الشهود، يقاتل هؤلاء بشراسة وبعزيمة أكبر كلما سيطروا على منطقة جديدة، وتزداد أعدادهم ككرة الثلج، بسبب التحاق المزيد من أبناء المناطق يهم، وهذا يعلل سرعة سقوط المناطق، الواحدة تلو الأخرى، بشكل سريع كلعبة "الدومينو".

ولا تختلف رؤية الساسة والمراقبين في الولايات المتحدة، كثيراً عن رؤية المالكي والإعلام الغربي للتطورات العراقية. فقد عبرت وزارة الخارجية الأميركية، يوم الأربعاء، عن قلقها لسقوط مدينة الموصل، معتبرة "التهديد الذي يشكله داعش هو تهديد للمنطقة بأسرها".

من جهته، اعتبر مساعد وزير الدفاع الأميركي، مايكل فيكرز، على هامش مؤتمر نظمه "المركز الدولي للدراسات الاستيراتيجية"، مطلع الشهرالجاري، أن المقاتلين السنة في العراق، قد أنبثقوا من "تنظيم القاعدة في العراق". وأضاف، أن"معظم قيادات هذا التنظيم كانت قد اتجهت الى سورية، بعد تكبدها خسائر كبيرة في العراق، ورجعت الآن الى العراق كي تشكل تهديداً واسعاً للمنطقة".

وفي السياق، شددت الناطقة باسم "مجلس الأمن القومي"، برناديت ميهان، على أن الولايات المتحدة ستستمر في مساعدة الحكومة العراقية في حربها ضد ما سمته "داعش".

ويبدو أن الدعم العسكري الذي منحته الولايات المتحدة الى بغداد، والذي يقدر بنحو 5 مليارات دولار، قد يعيد النفوذ الأميركي في البلاد، ويفعّل الاتفاقية الإستراتيجية بين بغداد وواشنطن.

ويرى الباحث في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، مايكل نايتس، أن "استعادة النفوذ الأميركي في العراق قد يسهم بشكل إيجابي في حل الأزمة السياسية والأمنية في هذا البلد، عبر الضغط الذي ستمارسه واشنطن على الأطراف السياسية المتنازعة للجلوس الى طاولة التفاوض بشكل جاد".

كما يرى البعض عدم وجود جدوى في تقديم المزيد من المساعدات الأميركية العسكرية الى الجيش العراقي، بعد تقهقره أمام الفصائل المسلحة من دون مقاومة تُذكَر، تاركاً وراءه ترسانة هائلة من الأسلحة الأميركية المتطورة، والتي تقدر بمليارات الدولارات. وعن هذا الموضوع، يقول الخبير في "معهد بروكينغ في الدوحة"، جارلز ليستر، إن "الأسلحة التي تستخدمها الفصائل المسلحة، أميركية الصنع، كان قد تركها الجيش العراقي المتقهقر لتستولي عليها المجاميع المسلحة".

وفي السياق، لا يوجد أي مؤشرعلى وجود نية أميركية لارسال قوات أميركية على الأرض لاستعادة السيطرة على المنطقة التي سقطت بأيدي المسلحين. ففي تقرير نشره "مركز الأمن القومي" الأميركي حول الأحداث الأخيرة في الموصل والمناطق الأخرى، يوم الثلاثاء، اعتبر المسؤول الأعلامي في وزارة الدفاع الأميركية، "البنتاغون"، أن سقوط الموصل بأيدي المسلحين هو "معركة الحكومة العراقية، وهي المسؤولة الوحيدة عن حلها"، نافياً أي تدخل أميركي محتمل.

وكانت دراسة نشرها "المركز الدولي للدراسات الاستراتيجة"، أجراها الخبير المتخصص بالشأن العراقي، أنطوني كوردسمان، قد عزت تدهور الأوضاع في العراق الى فشل حكومة المالكي. وقد وصف كوردسمان الأوضاع الأمنية والسياسية والإقتصادية المتدهورة بأنها "أسوأ مما كانت خلال فترة حكم الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين".

يبدو أن معظم مواقف القادة السياسيين، ما عدا المالكي وبعض قادة كتلة "متحدون للاصلاح"، بزعامة أسامة النجيفي، لم تتبلور بعد تجاه الازمة الأمنية الحالية. وبحسب رئيس "مركز بابل للدراسات الاستيراتيجية"، محمد الربيعي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، فإن هؤلاء الساسة "يمتنعون عن إطلاق التصريحات، قبل معرفة موقف الآخرين تجاه الأزمة، ويترقبون انعقاد جلسة البرلمان المقررة اليوم الخميس، وما سينتج منها من قرارات، قبل اطلاق أي تصريح".

كما يرى البعض تصريحات زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، التي كشف فيها عن نيته تشكيل قوة شعبية باسم "سرايا السلام" للدفاع عن ما وصفه بـ"المراقد المقدسة"، تحولاً من شأنه تصعيد التوتر الطائفي في العراق.
أما على الصعيد الكردي، فيبدو أن مشهد لجوء أعداد كبيرة من قادة كبار الجيش العراقي وجنودهم الى إقليم كردستان، إضافة الى تعزيز قوات البشمركة وجوده في المناطق "المتنازع عليها"، مؤشر على بداية انفراج بين المركز والأقليم. هذا ما توحي به الصورة الظاهرية. لكن المعطيات على الأرض تؤكد خلاف ذلك، ولا سيما أن المشكلة الرئيسية بين بغداد والأقليم، تتمحور حول "المناطق المتنازع عليها"، التي يطالب الكرد بضمها الى كردستان، وخصوصاً مدينة كركوك الغنية بالنفط، التي يعتبرها الكرد استحقاقاً تاريخياً ويتمسك بها العرب، سنتهم وشيعتهم، إضافة الى التركمان. ويبدو أن السبب الرئيسي الذي دفع الكرد الى تعزيز سيطرتهم على هذه المناطق، بعد سيطرة المسلحين على الموصل والمناطق الأخرى، هو القيام بخطوة استباقية لضم هذه المناطق الى كردستان، وفرض الأمر الواقع، في حال انهيار الدولة العراقية.