"جيل" يزور الحسيمة.. القصة الكاملة لتوتر اجتماعي بخلفية تاريخية

"جيل" يزور الحسيمة.. القصة الكاملة لتوتر اجتماعي بخلفية تاريخية

07 فبراير 2017
احتجاجات الحسيمة/ أرشيفية (فرانس برس)
+ الخط -
مقتل بائع السمك، محسن فكري، في مدينة الحسيمة (شمال المغرب) أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لا يزال مصدر توتر حاد بين القوات العمومية والمتظاهرين الغاضبين لعدم استجابة الدولة لمطالبهم.

آخر فصول هذا التوتر، كان تدخل قوات الأمن لتفريق احتجاجات في مناطق مختلفة تابعة للحسيمة، إذ اندلعت مواجهات بين عناصر الأمن ومحتجين بكل من الحسيمة وبوكيدان ولم تهدأ المواجهات بين الطرفين إلا في ساعات متأخرة من ليلة الأحد الماضي.


ووسط أنباء متضاربة عن حجم الخسائر أصدرت المديرية العامة للأمن الوطني بياناً قالت فيه، إن 27 من أفرادها أصيبوا بجروح متفاوتة أثناء عملية التدخل التي أكدوا أنه كان من أجل تحرير الطريق العام بينما تحدث نشطاء الحراك الاجتماعي في الحسيمة عن عشرات الجرحى، منها إصابات خطيرة لم تتردد على المستشفيات خشية اعتقالهم من طرف السلطات..

واشتعلت المواجهات مباشرة بعدما دعا النشطاء إلى احتجاجات واسعة بالحسيمة احتفالاً بذكرى رحيل محمد بن عبدالكريم الخطابي، أحد أشهر الشخصيات المعروفة بالتحرير الوطني، وقد كان مقرراً وفق مصادر موثوقة أن يرفع المتظاهرون مطالب اجتماعية واقتصادية تهتم بخلق مشاريع "تخلص شباب المنطقة من شبح البطالة القاتل"..

لم تتوان السلطات الأمنية عن منع متظاهرين كانوا قادمين للاحتجاج في المركز الحضري للمدينة، حيث عمدت إلى توقيفهم في مجموعة من المناطق القريبة من المدينة الشاطئية بذريعة "التسبب في قطع الطريق العام وتعطيل مصالح المواطنين "كما أكد مصدر مسؤول لـ"جيل العربي الجديد".

قصة صراع لا ينتهي..
الصراع بين منطقة الريف والسلطات ليس جديداً، بل يعود لأكثر من نصف قرن من الزمن، ففي الخمسينيات من القرن الماضي تدخل الجيش بقوة بعد أن قدم مجموعة من الريفيين وثيقة مطلبية تتضمن 14 مطلباً تدعو إلى تحسين الظروف المعيشية وإدماج أهل المنطقة في أسلاك الدولة ثم عاد التوتر ليصير أكثر حدة في الثمانينيات من القرن الماضي..

التاريخ يفسر إلى حد بعيد خلفيات التوتر الذي وصل أشده أخيراً، لا سيما وأن المتظاهرين رفعوا شعارات تتعلق بالمصالحة مع المنطقة كما أثاروا قضايا تاريخية تقول الدولة، إنها انتهت مع إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة التي قلبت صفحات سنوات الجمر والرصاص في المغرب..

المحتجون يقولون، إن الدولة لم تتصالح مع المنطقة بالمقارنة مع حجم التهميش الذي عاشته طوال عقود "وإنما المصالحة تمت مع أشخاص وهيئات معينة خاصة الفعاليات اليسارية"..

أما السلطات فتقول، إن المنطقة ابتداء من بداية الألفية الثالثة عرفت دينامية غير مسبوقة تتمثل بالأساس بفتح مسالك طرقية جديدة وتدعيم البنية التحتية والمرافق الاجتماعية والصحية..

وزير الداخلية يطير للحسيمة..
بعد يوم فقط من اندلاع المواجهات وأمام ضغط نشطاء التواصل الاجتماعي وتوثيق بعض الاعتداءات التي قام بها رجال أمن حل، الشرقي الضريس، الوزير المنتدب في الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، بمدينة الحسيمة وعقد على وجه السرعة اجتماعاً عاجلاً مع مسؤولي المنطقة والمنتخبين الذين، وفق مصادر "جيل العربي الجديد" دافعوا بقوة عن مطالب المحتجين بينما اقترح حاضرون في الاجتماع تشكيل لجنة مختلطة للحوار مع نشطاء الحراك الاجتماعي..

الزيارة التي قام بها الشرقي الضريس تزامنت مع استمرار التوتر في مختلف المناطق التابعة لإقليم الحسيمة، حيث دعا نشطاء إلى العودة للاحتجاج في الوقت الذي أدانت فيه هيئات وشخصيات سياسية التدخل في "حق متظاهرين دافعوا عن سلمية الاحتجاج"..

ورغم أن مجلس الجهة سارع إلى إخراج مشاريع جديدة إلى الوجود بعد المصادقة عليها فإن المحتجين اعتبروا ذلك "مجرد خطوة لذر الرماد في العيون"..

حواجز في كل مكان..
رجال أمن في كل أنحاء المدينة، وحواجز للشرطة والدرك ترصد سكنات وحركات الداخلين والخارجين إلى المدينة، أحاديث الناس لا تخرج عن موضوع الحراك ورد فعل السلطات، ترقب شديد عند المسؤولين، النشطاء يختلفون حول الخطوات المقبلة.. هذه هي أبرز المؤشرات التي عاينها "جيل العربي الجديد" بمدينة الحسيمة..

لا أحد يعلم بالضبط ما جرى في بلدة بوكيدان التابعة لإقليم الحسيمة، وعدا ما نشر على مواقع التواصل الاجتماعي وصور الخراب الذي حل بالممتلكات تضيع الحقيقة الكاملة.. الأمن يقول، إن عناصره جرحت والمحتجون يوثقون السباب والاعتداءات الصادرة عنه ويكذبون الروايات الرسمية..

الحركة تبدو عادية في المدينة والمقاهي والمحلات التي كانت متوجسة من تطورات يوم الخامس من فبراير/ شباط، عادت لتزاول عملها بشكل عادي بعد أن أغلقت أبوابها طوال يوم البارحة.. وفي غمرة الهدوء الحذر يساور سكان المدينة الخوف من عودة شبح المواجهات ومن لجوء القوات العمومية لاستعمال القوة ضد المحتجين..

المساهمون