"بيك نعيش": تونس عبر مخيّلة ساخرة

"بيك نعيش": تونس عبر مخيّلة ساخرة

17 فبراير 2016
(من العرض)
+ الخط -

ما الذي طرأ على الشخصية التونسية بفعل المتغيّرات التي شهدتها في الفترة الأخيرة؟ سؤال يمكن أن تجيب عليه دراسات اجتماعية أو نفسية، كما يمكن أن ترسمه الأعمال الفنية، وهو ما حاولته مسرحية "بيك نعيش" لنوفل عزارة، بأداء حسان الغربي، والتي عرضت نهاية الأسبوع الماضي في قاعة "تياترو" في تونس.

يقدّم الغربي العرض باسمه الشخصي، حسّان؛ فنان سينمائي تونسي عاش سنوات في المهجر ويقرّر العودة إلى بلاده لوضع "برنامج لعالم يحلم به". غير أنه لدى وصوله، يجد نفسه أمام لجنة مكلفة بإدخاله في "اختبار اندماج" مع العقلية التونسية الجديدة.

إنها تجربة ستحدث تصادماً بين التصوّرات والواقع، كما أنها ستكشف من خلال الشخصيات النمطية، التي تتكوّن منها اللجنة، من يقف وراء ديمومة منظومة التخلّف في البلاد.

من أجل تعويده على المتغيّرات الجديدة، يوضع حسّان في كبسولة تحوّله في تجربة أولى إلى هاتف جوّال، وفي ثانية إلى كاميرا مراقبة، ثم إلى معالم في شوارع تونس. مواقع تضيء بسخرية على فئات اجتماعية، تفتقر إلى المعنى في جلّ سلوكاتها. "اختبار الاندماج" يتواصل في أمكنة متعدّدة، حيث يُنقل حسّان من الفندق إلى المستشفى، وهنا يلتقي بـ "التونسيين الجدد" وبملامحهم.

في حديث مع "العربي الجديد"، يقول حسان الغربي إن "فكرة المسرحية بدأت في حزيران/ يونيو 2015. بدأنا الكتابة وكان هدفنا الاقتراب من الجمهور من خلال رصد ما يحتاجه، لذلك قدّمنا عملاً كوميدياً يحمل رسائل ومواقف". ويضيف: "حرصنا على كتابة قريبة منا كمواطنين في الحياة العامة".

على المستوى الشكلي، العمل عبارة عن مونولوغ بتقنيات الـ "وَن مان شو"؛ حيث يجري دمج الأدوات المسرحية من إدارة الجسد والسينوغرافيا مع لوحات الرقص والغناء الفردي، لتخدم سياق النص في خلطة واحدة.

تركّز المسرحية على نوستالجيا المقارنة بين تونس القديمة (النصف الثاني من القرن العشرين) والحاضر، وهو ما يبدو جلياً في مشهد بارانويائي للبطل؛ حيث يفتح نافذة غرفته في المستشفى على أحد شوارع العاصمة فيجد أمامه الورود والعشاق والعازفين، قبل أن ينقلب فجأة كل ذلك إلى كابوس، فيصبح العازفون باعة عملة ومواد استهلاكية والعشاق إلى متخاصمين.

على عكس معظم المسرحيات المنتجة مؤخراً في تونس، تحاشت "بيك نعيش" هيمنة المواضيع المتداولة إعلامياً من تجاذبات سياسية وعمليات إرهابية، تاركة إياها كمجرّد إثراءات للخلفيات الذهنية للعمل، ما يدل على حرص الثنائي الذي أنجز المسرحية على رصد انتظارات الجمهور من العمل المسرحي، إذ يقابل هذا التوجّه نزعة في المجتمع اليوم تقول "يكفي الحديث في السياسة".

من هنا، يمكن أن نرى العمل كمحاولة لتجاوز الطبق الكوميدي المهيمن في تونس، خصوصاً ذلك الذي تقدّمه التلفزيونات التي تعتمد في برامجها كوميديا تبسيطية أقرب إلى التهريج.

مسرحة الشخصيات النمطية الجديدة في المجتمع التونسي، على عكس تناولها التلفزيوني، يضع المتلقي وجهاً لوجه مع واقع مركّب من عناصر متنافرة ولكنها تصر على أن تعيش جنباً إلى جنب.

المساهمون