"الفيس بوك" أطلق الربيع العربي وفشل في حمايته

"الفيس بوك" أطلق الربيع العربي وفشل في حمايته

05 فبراير 2014
+ الخط -
احتفل العالم اليوم بمرور عشر سنوات على إطلاق موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، وهو الموقع الذي دشنه مارك زوكربيرغ بالاشتراك مع صديقيه في جامعة هارفارد، داستن موسكوفيتز وكريس هيوز، اللذين تخصصا في دراسة علوم الحواسيب. الموقع بدأ لتبادل الصور فقط داخل الجامعة، وكاد مارك أن يطرد لانتهاكه الخصوصية الفردية، الا أنه تمت تسوية الامر ليطور فكرته بعد ذلك الى موقع للتواصل الاجتماعي يرتاده اليوم المليارات من سكان العالم.

ويعدّ "فيسبوك" أحد ظواهر وأدوات العولمة وثورة المعلوماتية ووسائل الاتصال التي جعلت من العالم قرية صغيرة تتماهى فيها الحدود الجغرافية، وتساعد في تحوّل التاريخ من فعل ماضٍ إلى فعل مستقبلي.

ومن هذا المنطلق لا يمكن إنكار دور الموقع الشهير من ناحية تأثيره الاجتماعي والسياسي على المصريين، وخصوصاً شريحة الشباب الذين نجحوا في توظيف "فيس بوك" لإشعال ثورة ربيعهم احتجاجاً على جيل "العواجيز"، الذين لم يجدوا سوى الجمل (في الموقعة الشهيرة) لإجهاض ثورة تقوم على الحداثة الرقمية. وانتصر الـ"فيس بوك" في المرحلة الأولى من الثورة وأسقط النظام، إلا أنه فقد تأثيره على مسرح الاحداث في الثورة، سواء في مصر أو تونس أو ليبيا أو اليمن، بعدما انتقلت الثورة الى قبضة الشارع بكل تناقضاته الاجتماعية والثقافية. فكان "فيس بوك" مصباح علاء الدين الذي أحضر الجنيّ وفشل في صرفه، فتسلمته قوى الثورة المضادة.

"الجديد" ناقشت حصاد 10 سنوات على تأسيس الموقع وانطلاقه في فضاء الشبكة العنكبوتية، وتساءلت عن دوره في تغيير مفاهيم المصرين وكيف ساهم في اندلاع ثورة يناير/ كانون الثاني، في حين فشل في إجهاض الثورة المضادة؟ ولماذا تحوّل من ظاهرة اجتماعية للتواصل إلى موقع للقطيعة بعد أحداث 30 يونيو/ حزيران؟

ظاهرة سياسية

يشير الخبير السياسي، الدكتور محمد السعدني، إلى أن "فيس بوك" ظاهرة علمية تحولت إلى اجتماعية ثم إلى ظاهرة سياسية أسهمت في تعميق ونشر مفهوم العولمة وإزالة الحواجز بين الشعوب بصورة أكثر فاعلية مما كانت تقوم به بعض المواقع والمنتديات الشهيرة التي سبقت الموقع في التأسيس. ويوضح أن الانترنت ووسائل الاتصال نقلت مفهوم التاريخ من الفعل الماضي الى فعل مستقبلي، عندما أسهمت في نشر التعاطف مع قضايا كاد التاريخ أن ينساها، وهو يعبر حواجز الزمن، مثل تنشيط التعاطف مع القضية الفلسطينية، والدعوة للتضامن معها في مناسبات ثابتة ومختلفة، كما غيّرت في الجغرافيا التقليدية وحوّلتها إلى فضاء إلكتروني تسبح فيه المعلومة والنشر والأخبار أسرع من الصاروخ.

وعن دور "فيس بوك" في إشعال ثورة يناير/ كانون الثاني، يؤكد السعدني أن الموقع الشهير "كان له أكبر الأثر في التمهيد للتظاهرات التي تحوّلت من انتفاضة محدودة إلى ثورة شعبية، فمنه عرفنا خرائط ومواقيت التجمعات في الميادين والطرق والشوارع، وتعلّمنا طرق مواجهة الغاز، وكيفية مراوغة قوات الأمن". أما فشل الوسيلة نفسها في إجهاض الثورة المضادة، فيرجعه الى "ثقة الشباب الزائدة عن الحد في أنفسهم وفي الوسيلة نفسها، واعتقادهم الخاطئ بأن الفضاء الإلكتروني كفيل بقيادة الحراك، ما أدى الى انفصال الشباب عن الشارع، فغاب تأثيرهم فيه، لأن معظم الشارع، على الأقل في مصر، لا يجيد التعامل مع الوسائل الحداثية ولا يزال يعتمد في فهمه للأمور على الفضائيات في التأثير عليه".

ويفسر السعدني تحوّل "فيس بوك" من موقع للتواصل الاجتماعى إلى أداة للقطيعة الاجتماعية بعد أحداث 30 يونيو/ حزيران بأن الموقع تطور من وسيلة تجمع أعضاءه على هدف واحد إلى وسيلة تضم كل التناقضات، فالأزمة السياسية الحالية لها دور في ما يحدث، متوقعاً عودة الأمور إلى سابقها فور تحقق الاستقرار السياسي.

من جهته، يرى رئيس المركز الدولي لدراسة السياسة والقانون والرأي، الدكتور مصطفى علوي، أن مصر تعدّ من أعلى دول العالم استخداماً لـ"فيس بوك"، مشيراً إلى وجود 9 شركات عالمية للتواصل الاجتماعي، وغالبيتها شركات أميركية، ما يجعل واشنطن أكبر مخزن للمعلومات وهو ما يتيح لها عمليات التنصت على الرسائل، حتى على حلفائها. وأوضح أن الموقع أنشأ ثقافتين مختلفتين داخل العائلة الواحدة "فأصبح حجم المعلومات لدى الشباب أكبر منه لدى الأبناء، فـ90% من ثقافتهم يعتمدون فيها على "فيس بوك"، في حين يتلقون 10% فقط من الأسرة". وأكد أن "فيس بوك" قلّل من الأهمية التقليدية لأجهزة الاستخبارات، لكنه سهّل عملها، لأن المعلومات أصبحت متاحة، وخصوصاً لأميركا، مشيراً إلى أن الموقع كان له الدور الرئيسي فى إشعال ثورة يناير والتواصل بين الشباب، وعندما قامت الحكومة بقطع الانترنت اضطر الشباب للنزول إلى الشارع.

ويعتبر علوي أن فشل الشباب في مواجهة الثورة المضادة لنشاط حركة "تمرد" في الشارع، والذي قابله نشطاء الإنترنت بسخرية، أدى بنا إلى الوضع الحالي، موضحاً أن تحوّله إلى أداة للقطيعة الاجتماعية جاء بسبب نقص الخبرة لدى الشباب في المشاركة في الحياة السياسية، حيث إن لدينا 86 حزباً فشلت فى استيعاب الشباب سياسياً.

أما أستاذة علم النفس الاجتماعي في جامعة عين شمس، الدكتورة ماغي ويليم، فتشير إلى أن "فيس بوك" قلّل من شعور الاغتراب لدى الأشخاص وساعد على تقريب المسافات، وزاد، على عكس ما يعتقد الكثيرون، من التفاعل الاجتماعي لديهم عبر جعلهم يتشاركون في مناسباتهم الخاصة مثل التهنئة بأعياد الميلاد ومشاركتهم الشعور بالأفراح والأحزان، ولا سيما أن هناك مناسبات يقوم الموقع بتذكيرك بها، مؤكدة أنه بفضل الموقع لم يعد "البعيد عن العين بعيداً عن القلب"، وأن العلاقات أصبحت أكثر إنسانية وازداد الناس قرباً بسببه. وتضيف أن الموقع الشهير لم يساعد وحده في الحشد لثورة يناير، وإنما ساعدت في ذلك قيم المواطن وأخلاقياته وشعوره بالمسؤولية تجاه الوطن، موضحة أن سبب تحوّل الموقع إلى وسيلة للقطعية الاجتماعية يعود إلى عدم تعلّم الشباب كيفية مواجهة الأفكار وحل المشاكل.

المساهمون