"الساحرة بلير"... غياب بعد انكشاف الخدعة

"الساحرة بلير"... غياب بعد انكشاف الخدعة

11 أكتوبر 2016
المخرج آدم وينغارد (ألبريتو رودريغيز/ Getty)
+ الخط -
عام 1999، حدثت ثورة حقيقية في عالم السينما، مع صدور فيلم The Blair Witch Project، الذي كلّف 60 ألف دولار أميركي فقط، جلب إيرادات بلغت 140 مليون دولار في أنحاء الولايات المتحدة، وضعف المبلغ خارجها، ليصبح، لغاية اليوم، الفيلم الأكثر إيراداً في التاريخ مقارنة بميزانيته. سبب ذلك واضح: "مشروع الساحرة بلير" كان ثورياً جداً، وفتح الباب لصنف سينمائي كامل، يسمى الـ Found Footage، الذي يقوم على لقطات مصوَّرة بكاميرا منزلية، ويفترض أنه تمّ إيجادها بعد وقت طويل.

عظمة الفيلم، حينها، كانت في إقناع المشاهدين، فعلاً، أن هذا الأمر حدث، وأن هؤلاء ليسوا ممثلين، وأن الكاميرا لا يحملها مخرج، وبالتالي يضاعف من أثر التجربة، لأنك تتعامل معها باعتبارها حقيقة. لكن، إذا كانت التجربة سينمائية مصوَّرة بشكل روائي تقليدي، ويعرف الجمهور أنها مجرد خيال، فهل كان الفيلم سيملك الأثر نفسه؟ الجزء الثاني من "الساحرة بلير"، الذي يعرض حالياً في دور السينما، يقدم الإجابة المحبطة.
الفيلم الجديد استثمار لنجاح الجزء الأول. غيّر منتجوه اسمه الأول، "الغابة" إلى "الساحرة بلير"، ليجذبوا شريحة أكبر من المشاهدين الذين لا يزالون مرتبطين بعلاقة بالعمل الأصلي الثوري جداً. تبدأ أحداث الجزء الثاني بجيمس، شقيق هيدز، التي اختفت في الغابة في الفيلم الأصلي، وهو يشاهد لقطات مصوَّرة على الإنترنت للكوخ الذي اختفت فيه، ويقرر القيام برحلة جنونية مع ثلاثة أصدقاء له بحثاً عنها، إذْ ربما يعثر على أثر لها بعد مرور 20 عاماً، قبل أن يتحول الأمر، كما هو متوقع، إلى كابوس، مع بدء الساحرة بلير بحصدهم، الواحد تلو الآخر، في تكرار لما حدث سابقاً.
الفيلم الأصلي، "مشروع الساحرة بلير"، اعتمد على محو مسافة الخيال الفاصلة بين "مشاهد السينما" و"ما يحدث على الشاشة أمامه"، حين تفكر بأن ممثلاً هو من يقتل في الفيلم، وهذا مختلف تماماً عن أن يكون الشخص حقيقياً. لذلك، فالشيء الفاصل فيه لم يكن تجربة أصدقاء تاهوا في غابة مهجورة، وحصدتهم ساحرة شريرة، لأن تلك القصة تقليدية جداً، وحدثت مراراً في أفلام الرعب، لكن في "رعب الحقيقة"، وفي أن يكون ذلك عبر "لقطات تمّ العثور عليها"، ما يفتح باباً أمام المجهول والأساطير المرعبة والخوف، بشكل مضاعف، على شخصيات قد تكون من لحم ودم.
الجزء الجديد يفقد تماماً كل هذا، ويتحول إلى "فيلم رعب تقليدي آخر"، لا فرق بينه وبين The Forest مثلاً، الذي عرض مطلع هذا العام، محاولاً الإبهار في بعض التفاصيل التي تحدث، وكيفية حصد أرواح الأصدقاء. لكن تلك المحاولة تضعف الفيلم أكثر، لأنها تؤكد، بصورة مستمرة، على "عدم حقيقية القتل، أو الساحرة، أو الغابة، أو الشخصيات"، وبالتالي فإن 60 في المائة من قوة العمل الأصلي تُفقد هنا. إذ يدخل العمل في سياق سينمائي تقليدي، ويفقد ثوريته كعملٍ غير سينمائي ومصوّر بكاميرا يد منزلية.

الأسوأ، أن مخرج الفيلم، آدم وينغارد، لا يقوم بأي مجهود للخروج من تقليدية وتكرار تفاصيل الفيلم إلى درجة الابتذال. أغلب لحظات الرعب، هنا، تعتمد على ظهور شخص فجأة وراء صديقة، أو غلبة الصمت على شريط الصوت قبل أن تهاجم الساحرة فجأة، وهذه أدوات مهترئة جداً، حالياً، بالنسبة إلى أي فيلم رعب. كذلك، هناك جزءٌ من جودة الفيلم الأصلي، يتمثّل بالغموض الذي يحيط بأسطورة الغابة والساحرة، وهذه أمور يتم الحديث عنها بشكل متقطع، ولا تُقدَّم التفاصيل كاملة. أما هنا، فيجري الحديث عن ذلك باستفاضة، وبشكل مستمر، ويجعل الحوار دائماً محاولة شرح "الأسطورة التي نواجهها"، ما يجعله رتيباً وتقليدياً في أحيان كثيرة.
لكل هذا، فإن الإجابة على سؤال المفتتح، عن تنفيذ "مشروع الساحرة بلير" بشكل روائي وإمكانات كبيرة ومؤثرات بصرية ومحو فكرة "احتمالية أن يكون هذا حقيقياً"، تلك الإجابة هي مجرّد فيلم رعب ضعيف آخر، تماماً كالجزء الثاني "الساحرة بلير".


دلالات

المساهمون