مع تبلورها كجنس أدبي مستقل في العصور الحديثة، بدت الرواية مثل مشروع يحاول أن يعكس كل ما حوله؛ التاريخ، الحرب، الواقع الاجتماعي، التفكير في المستقبل، الحياة النفسية وتقلباتها (...)، وكان النقّاد والدارسون كلما حاولوا تفسير ما تعرفه الرواية اليوم من إشعاع يحيلون على خصوصيّة قلما تتوفر في أجناس أدبية أخرى، تتمثل في قدرتها على استيعاب أشكال خطاب مختلفة وهضمها ضمن النسيج الروائي لتكون مجرّد عنصر من عناصره المتعددة.
تمثّل الفنون أحد المجالات المحبّذة لدى الروائيين، وكثيراً ما عرفوا كيف يُدخلون مفرداتها في عوالمهم المتخيّلة، ولعلّ أبرز نجاحات الرواية أنها استطاعت نقل عالم الإبداع مع مراعاة الفوارق بين الأشكال الفنية، من ذلك رواياتٌ مثل "العمل الفنيّ" لـ إميل زولا والتي استلهمها من سيرة صديقه الفنان التشكيلي بول سيزان وصاغها ضمن سلسلته الروائية "روغون ماكار"، أو "اسمي أحمر" لأورهان باموك التي دارت حول رسّامي الزخارف الأتراك في القرن السادس عشر، أو "الكونترباص" لباتريك زوسكيند والتي تناول فيها عالم الموسيقى.
"الرواية التونسية والفنون"، عنوان ندوة علمية ينظمها "مخبر السرديات والدراسات البينية" و"الرابطة العربية للفنون والإبداع"، تقام غداً، الأربعاء، في "قاعة حسن حسني عبد الوهاب" في "كلية الآداب والعلوم الإنسانية - منوبة" بتونس العاصمة، ويحاول المشاركون فيها تقصّي طرق استحضار الفنون في الكتابات السردية التونسية. كما تتضمّن الندوة شهادات يقدّمها الكتّاب: محمد الجابلي وأحمد القاسمي ورفيعة بوذينة وأبو بكر العيادي الذي سيجري تكريمه.
تنقسم الندوة إلى جلستين. في الأولى، يقدّم الباحث والمترجم محمد القاضي محاضرة بعنوان "مرسم الرواية"، حيث يتناول رواية "آخر الرعية" لـ أبو بكر العيادي، تليها محاضرة بعنوان "حديث الخبر الأول خبراً وعياناً" لـ أحمد القاسمي، فمحاضرة بعنوان "تفاعل السرد والأصوات والفنون في الرواية التونسية المعاصرة" لـ أمين عثمان.
وفي ورقته، يتناول الكاتب التونسي سمير بن علي مقاربة التشكيل روائياً من خلال قراءة في "حروف الرمل" لـ محمد آيت ميهوب، لتختتم الجلسة الأولى بمحاضرة بعنوان "الرواية التونسية وتراسل الفنون" يلقيها عمر السعيدي.
تفتتح الجلسة الثانية بدراسة حول رواية "الكرنفال" للكاتب التونسي الراحل محمد الباردي، وهي محاضرة يلقيها محمد صالح مجيّد، فيما يتناول مصطفى بوقطف "الرواية والرسم من خلال أعمال روائية تونسية"، ويتحدث فتحي بن معمّر عن "جدل الإمبريالية بين الرواية والفن". ومن جانبه، يقارب الكاتب رضا بن صالح "تعاضد الروائي والتشكيلي في الأدب التونسي"، فيما تختتم الجلسة الثانية بمحاضرة بعنوان "الاستعارة السينمائية في رواية زمن الدنوس لأبي بكر العيادي" يلقيها الباحث نور الدين أحمد بنخود.