"الذئب المنفرد" يلاحق أميركا: رعب من "الإرهاب المحلي"

"الذئب المنفرد" يلاحق أميركا: رعب من "الإرهاب المحلي"

04 أكتوبر 2014
تترقب واشنطن أعمالا إرهابية على أرضها (بيل بوغلينو/Getty)
+ الخط -
مع دخول الولايات المتحدة، فعلياً، في حرب مع "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش)، عبر سلاح الجو إلى الآن، فإن جبهة أخرى تخشى السلطات الأميركية أن تُفتح في الحرب مع هذا التنظيم ومناصريه. غير أنّ هذه الجبهة لن تكون خارجية هذه المرة، بل إن مسرحها قد يكون الساحة الأميركية نفسها.  

فمنذ بدأت المقاتلات الأميركية، ضمن حلف عربي غربي، بقصف مواقع التنظيم في العراق وسورية، تصاعدت وتيرة التحذيرات الأمنية من احتمال أن ينفذ محسوبون، أو متعاطفون، مع "داعش"، هجمات انتقامية داخل الولايات المتحدة، وغيرها من الدول الغربية التي تشارك في الحملة ضد التنظيم. وما ضاعف من المخاوف الأمنية، أميركياً وغربياً، هو إعلان السلطات الأسترالية، في 18 من شهر سبتمبر/أيلول الماضي، عن إحباط هجمات لمتعاطفين مع تنظيم "داعش"، واعتقال الكثير منهم في عدد من المدن الأسترالية.

وبحسب السلطات الأسترالية، فإن تلك الشبكة خططت لاختطاف مواطن أسترالي، بشكل عشوائي، من شوارع العاصمة سيدني، ومن ثمّ ذبحه في عملية مصورة بالفيديو، تماماً كما فعلت "داعش" من قبل في سورية.

وغداة مضي أسبوع على الحادثة الأسترالية، ذبح مواطن أميركي أسود، يُدعى ألتون نولين، اعتنق الإسلام من أشهر قليلة، امرأة أميركية بسكين و"حز رأسها"، وطعن أخرى، في ولاية أوكلاهوما. الأجهزة الأمنية الأميركية لم تقرر بعد توجيه تهم بـ"الإرهاب" إلى منفذ الجريمة، بانتظار انتهاء التحقيقات معه، مكتفية إلى الآن باتهامه بارتكاب "جريمة قتل من الدرجة الأولى بسلاح قاتل"، وخصوصاً أنّه ارتكب جريمته تلك في إطار ما يبدو، إلى الآن، أنه خلاف مع إدارة المصنع الذي كان يعمل فيه، بعدما طرد من منه.

غير أنّ المعطيات القائلة إن نولين قد اعتنق الإسلام منذ أشهر، وأنه حاول، بحسب عاملين معه في المصنع سابقاً، إقناعهم بدخول الإسلام، فضلاً عن أن صفحته على "فيسبوك"، كانت تحوي تعبيرات وصوراً قد يفهم منها أنّه "متطرف فكرياً"، جميع الأمور دفعت إلى التهوين من حقيقة أن للرجل سجلاً إجرامياً طويلاً سابقاً، وانهمكت الأجهزة الأمنية والإعلامية الأميركية في محاولة للتقصي عن أي ارتباط لجريمته تلك بإعلان الولايات المتحدة الحرب على "داعش".

وأعادت جريمة نولين هذه، تسليط الأضواء على ما يعرف في الولايات المتحدة بـ"الإرهاب المحلي" Home Grown Terrorism، فضلاً عن تنامي مستويات التحذير من مخاطر سيناريو "الذئب المنفرد" Lone Wolf.

"الذئب المنفرد"

يرمز تعبير "الذئب المنفرد" لدى أجهزة الأمن الأميركية، إلى أولئك الأشخاص الذين قد يقدمون على تنفيذ عمليات "عنفية"، من دون أن يكون لهم ارتباط مباشر أو تنسيقي بجماعات تعتبرها واشنطن "إرهابية"، أو أن يكونوا يتلقون أوامر ودعماً منها.

ولأن أولئك الأفراد، بحسب الأجهزة الأمنية، يعيشون في كثير من الأحيان خارج دائرة الشكوك، ولأنهم لا ينتمون لتنظيمات تُسهل من اكتشافهم عبر عمليات الاتصال، أو غير ذلك، فذلك يُصَعِّبُ عملية رصدهم والتعامل معهم.

ولا تعدّ ظاهرة "الذئب المنفرد" بالطارئة على الولايات المتحدة، ولا سيما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، كما أنّها ليست حكراً على المسلمين.

فتيموثي ماكفي، الذي فجر مبنى فيدرالياً، في مدينة أوكلاهوما سيتي عام 1995، بشاحنة مفخخة، أوقعت عشرات القتلى ومئات الجرحى، ليس عربياً ولا مسلماً، بل "متطرف" أميركي مسيحي أبيض.

أيضاً، جيمس بيرن، الذي هاجم متحف "الهولوكوست" في واشنطن عام 2009، مودياً بحياة حارس أمن، هو ايضاً مسن أميركي مسيحي أبيض "متعصب". الأمر نفسه ينطبق على أرون أليكس، الأميركي الأسود، الذي قيل إنه يعاني من أمراض نفسية، والذي قتل اثني عشر شخصاً وجرح أربعة آخرين في هجوم عام 2013، على قاعدة عسكرية أميركية في شمال ولاية فرجينيا... والقائمة تطول.

غير أنّ الكثير من العرب والمسلمين أيضاً، نفذوا هجمات، أو أنّهم حاولوا فعل ذلك على التراب الأميركي، ويدخلون ضمن تعريف "الذئب المنفرد". فمثلاً هناك الطبيب النفسي، الرائد في الجيش الأميركي، نضال حسن، منفّذ "مذبحة" قاعدة فورت هود العسكرية في ولاية تكساس عام 2009، والتي قتل فيها 13 جندياً، وجرح 32 آخرين.

أيضاً هناك فيصل شاهزاد، الذي حاول تفجير قنبلة في "تايمز سكوير" في نيويورك عام 2010. وكذلك الأخوان تاميرلان وجوهر تسانيف، منفذا تفجير مارثون بوسطن عام 2013، والذي تسبب بمقتل ثلاثة وجرح العشرات...

ما يجمع بين الأربعة السابقين، من المسلمين الأميركيين، عاملان: الأول أنّه غير معروف انتماؤهم إلى أي تنظيم تصنفه الولايات المتحدة "إرهابياً"، وهم تحولوا إلى ما تصفه واشنطن بـ"الراديكالية"، أي التشدد الفكري، عبر الإنترنت.

أما الأمر الثاني، فهو أنّهم جميعاً كانوا غاضبين من السياسات الخارجية للولايات المتحدة، في العالمين العربي والإسلامي، سواء في العراق أم أفغانستان أم باكستان أم الصومال أم اليمن.. الخ، والتي يرون فيها عداء للإسلام. 

 

اليوم، ومع تورط الولايات المتحدة في حرب جديدة في العالم العربي ضد "داعش" في العراق وسورية، تتضاعف المخاوف من إمكانية أن يقوم متعاطفون مع التنظيم، أو غاضبون من التدخل الأميركي في الصراع الدائر في البلدين، بالسعي إلى تنفيذ هجمات انتقامية على أهداف أو مواطنين أميركيين وعلى أرضهم نفسها.

ومرة أخرى، فإن خطر أولئك أكبر، ضمن المقاربة الأمنية الأميركية، فهم أولاً يعيشون على التراب الأميركي، كما أن رصدهم صعب جداً، على عكس التهديدات الآتية من فروع تنظيم "القاعدة" المختلفة، ولا سيما في اليمن، ذلك لأنّه يمكن رصد هذه الأخيرة عبر التجسس أو العمل الاستخباراتي، أو مهاجمة القائمين عليها استباقياً. 

وكان لافتاً في هذا السياق، حض المتحدث باسم تنظيم "الدولة"، أبو محمد العدناني، في خطاب له قبل أسبوعين، المسلمين في الغرب، على مهاجمة مصالح ومنشآت غربية، فضلاً عن استهداف مواطنيها.

وتزداد خطورة هذا التهديد، إذا علمنا أن المئات من حملة الجوازات الأوروبية، وأكثر من مائة أميركي، وعشرات آخرين من أستراليا وكندا، يقاتلون في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية" في سورية، وهم لا يحتاجون إلى تأشيرات للسفر إلى الدول الغربية، وبعضهم قد عاد فعلاً إليها، وهؤلاء هم أكثر من تخشاهم الأجهزة الأمنية.

تحرك غربي لمجابهة التهديد

وتدرس الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، جملة من الخيارات للتعامل مع هذه التهديدات. فهناك، مثلاً، توجهات لبعض الدول الأوروبية لمنع أي مقاتل من مواطنيها في سورية من العودة إلى بلده، بل إن ثمة من يتحدث عن مقترح لدراسة سحب الجنسيات منهم.

معلوم أن مثل هذه السيناريوهات غير مطروحة في الولايات المتحدة، إلى الآن على الأقل، غير أنّ ذلك لا يعني أن الولايات المتحدة لا تراقب عن كثب كل مواطن أو مقيم على أراضيها، ممن سبق له الذهاب إلى سورية، سواء أكان مقاتلا أم لا. كما أن السلطات الأميركية تقوم في كثير من الأحيان باعتقال كل من تشك بأنه ينوي التوجه إلى سورية بنية القتال فيها.

فضلاً عن ذلك، فقد نجحت الولايات المتحدة في استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بالإجماع، يوم الخميس من الأسبوع الماضي، يلزم الدول بالحيلولة دون التحاق مواطنيها بالمقاتلين في العراق وسورية، كما يلزمها بتعويق تجنيد وتمويل المقاتلين الأجانب، بالإضافة إلى التشديد على الدول التي لها حدود مع كل من بغداد ودمشق، على منع تدفق المقاتلين الأجانب إلى هذين البلدين عبر حدودها.

غير أنّ جميع هذه الإجراءات لا تحول دون منع تهديد "الذئب المنفرد"، فغالبية من يندرجون تحت هذا التوصيف، لم يسافروا بالضرورة إلى تلك الدول، أو إلى أي منطقة أخرى ملتهبة في العالم، كما أنّهم لم ينتموا يوماً إلى تنظيم "إرهابي" ولم يتدربوا في معسكراتهم، بل هم نتاج الغضب على السياسات الغربية في العالمين العربي والإسلامي.

نقطة القوة المركزية لهؤلاء، أنّهم يعيشون في عمق الغرب نفسه، وهم وإن لم يملكوا التدريب والإمكانيات لشن هجمات كبيرة، على شاكلة هجمات الحادي عشر من سبتمبر، غير أنّهم قادرون على هز العمق الأمني بقسوة والتأثير على نمط الحياة فيه. الأخطر من ذلك أنّهم يضعون أمن وسلامة ومستقبل الملايين من المسلمين في الغرب في مهب الريح. 

المساهمون