"الحبّ الحقيقي" في مكان آخر

"الحبّ الحقيقي" في مكان آخر

17 يونيو 2014
بطلتا فيلم ماليفسنت: انجلينا جولي وإيل فانينغ (كارواي تانغ/وايرايمدج)
+ الخط -

ليس فيلم روبرت سترومبيرغ الأخير "ماليفسنت"، المقتبس عن القصّة الشعبية "أميرة الغابة النائمة"، فيلماً عن لعبة الشرّ والخير، وليس عن الحبّ والقبلة التي تزيل اللعنة، بل هو فيلم فانتازي عن شخصية أسطورية اسمها "الحبّ الحقيقي".

حين تلعن الجنيّة السوداء، ماليفسنت، تلعب دورها أنجلينا جولي، الطفلةَ الرضيعة بنومٍ أبدي لا تستيقظ منه إلا بقبلة حبّ حقيقي، لا تفعل ذلك بدافع التساهل ومنح الملعونة فرصة نجاة، بل تحايلاً وإمعاناً في الشرّ، لأنّ الحبّ الحقيقي وفق تأكيد الجنيّة، لا وجود له.

إنّه خرافة بالنسبة للجنّية التي تسكن الخرافة، هو بالأحرى "خرافة داخل الخرافة".

ماليفسنت الساحرة، الأكثر شرّاً في أدب الحكايات الخرافية وفي أرشيف ديزني، منتجةِ الفيلم، ليس لشيء إلا لأنّ شرّها من دون دافع. هو شرّ لأجل الشرّ نفسه، بينما ساحرة حكاية بياض الثلج تحرّك شرّها الغيرةُ من الجمال والصبا والرغبة في أن تكون الأجمل، ويحرّك شرّ ساحرة قصّة رابونزل غيرتها من الأمومة، التي لم تكن منطقية أو كافية لمنتجي ديزني الذين طوّروا القصّة دراميّاً، وصنعوا للشخصية هدفاً لأجل خلق صراع، هو مبدأ الدراما الرئيس.
التقنية نفسها فرضت على منتجي فيلم "ماليفسنت"، المقتبس من قصة "أميرة الغابة النائمة" أوروبية الجذور، أن يبنوا شخصية الجنية، ويصنعوا لها تاريخاً وطفولة، وحتى قلباً مراهقاً يحبّ! ثم جعلوها تتعرّض لمكيدة من صديق أحبّته ووثقت فيه، خدّرها وقصّ جناحيها اللذين، هما مصدر قوتها، فعرفت نقمة وحقداً كبيرين دفعاها للانتقام من الصديق الذي بفضل قصّ جناحيها صار ملكاً. وقد انتقمت ماليفسنت، منه إذ لعنت ابنته الرضيعة بالغرق في نوم أبدي عشية بلوغها الـ 16 من العمر.

يحدث لاحقاً أن تقع الجنية القاسية في حبّ الطفلة، وتكنّ لها مشاعر أمومة. تحاول فكّ اللعنة لكنها تفشل، وعشية عيد مولدها المنتظر، تقود اللعنةُ الشابةَ إلى قدرها: إلى إبرة مغزل، وحين تلمسها وتخرج نقطة دم من سبابتها تستسلم لنوم أبدي.

يبحث الجميع عن الحبّ الحقيقي لفكّ اللعنة، لكن ماليفسنت، التي تجهل قوّة روحها الحقيقية، تخبرهم بتفجّع أنّه غير موجود. يفشل أمير معجب بأورورا في أن يوقظها بقبلته الصادقة، ويكاد أي أمل بنجاة الشابة البريئة يختفي، فتنحني ماليفسنت، فوق جبينها وتقبّله، وحينها تستيقظ أورورا، وينفذ سهم الحبّ الحقيقي، الذي نبحث عنه في الجنس الآخر، وتركّز الحكايات الشعبية والأساطير على أنّه حبّ الرجل للمرأة، بينما ترى المعالجة المعاصرة أنّه الأمومة، كما في فيلم ماليفسنت، والأخوّة كما في فيلم "فروزن"، للشركة المنتجة نفسها.

قدّم منتجو فيلم "فروزن" المقتبس من أسطورة شعبية اسكندنافية هي "ملكة الثلج"، وجدوه في "الأخوّة". ملكة الثلج رمز آخر للمرأة باردة القلب مطلقة الشرّ، وقد أعاد كاتب الفيلم وفريق عمله بناء تلك الشخصية، وكما في ماليفسنت، لم يجعلوها شريرة بالفطرة، بل هي أطيب مما قد نقدّر، وما ينمو داخلها من قدرة على تجميد ما تلمسه أو تقترب منه هو فوق سيطرتها وخارج إرادتها، واذ تصيب بها أختها الصغرى آنا، التي يمسّ الصقيع قلبها وتروح تحتضر، لا يكون هناك شفاء سوى الحبّ الحقيقي، الذي يفشل الشاب الودود والطيب في منحها إياه، بينما تنجح أختها.

في كتاب "التحليل النفسي للحكايات الخرافية" يثبت عالم النفس النمساوي الأمريكي برونو بيتلهايم، أنّ اختيار عمر 16 سنة للوقوع في النوم الأبدي إثر شكّة إبرة وخروج الدم، ليس عبثاً، بل هو رمز لفضّ البكارة، الذي حاولت الحكاية المصنوعة من خيال الأمهات والمربيات التنبيه إلى حرمته وخطورته، في زمن لم تكن العلاقات الجنسية فيه مباحة للمراهقات، بعكس ما هو الحال اليوم في المكان نفسه (أوروبا) لذا كان من الطبيعي أن يهمل الفيلم هذه القراءة أو التحليل، ويركّز على مسألة الحبّ الحقيقي، ويجده بعد رحلة بحث شاقّة في الأمومة أو الأخوّة.

الحبّ الحقيقي أحد المعجزات، كان كذلك في القصص الشعبية حول العالم، وفي الأساطير العربية حُكي عن المخلوقات الخرافية الثلاثة: العنقاء والغول والخلّ الوفي، الذي قد يكون الحبيب أو الصديق. وحين يكون هناك شيء نستبعده نقول رابع المستحيلات.
جعلت الأفلام الفانتازية معجزة الحبّ الحقيقي تتحقّق، وكأنها تقول لنا إننا نعيشها كلّ يوم، علينا فقط أن ننظر جيّداً حولنا، الحبّ قد يكون في مكان آخر، ولكن ليس بالضرورة مكان بعيد. قد يكون في الغرفة المجاورة، أو البيت الأوّل.
 

المساهمون