"إقليم الأنبار" وشرعنة التقسيم

"إقليم الأنبار" وشرعنة التقسيم

23 ديسمبر 2014
+ الخط -

في صيف عام 2011، غمرت الفرحة أسارير رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، وهو يصغي لشيوخ عشائر الأنبار، حول تقسيم العراق، في مأدبة غداء، أعدها لهم البارزاني على هامش زيارته عمّان. واعتبرت تلك المأدبة دعوة علنية، هي الأولى من نوعها، تعززت بدعم البارزاني، بتشكيل إقليم فيدرالي، تحت مسمى "إقليم الأنبار"، خطوة أولى، تليها خطوات أخرى، تساهم في تقرير المصير والانفصال. عندها، وعد البارزاني بتقديم جميع التسهيلات المالية والمعنوية من أجل تحقيق ذلك الهدف المدعوم أميركياً.
وبعد سنوات من خفوت الأصوات المطالبة بـ"الإقليم السني"، أو "إقليم الأنبار"، واقتصارها على المجالس الخاصة والصالونات السياسية، وثنايا صراعات الكتل والقوى، عادت، اليوم، هذه الدعوات، تقترب بشكل أكبر من تحقيق هدفها، من خلال مؤتمر أربيل الذي ناقش، بصراحة، مواضيع "التقسيم" والانسلاخ"، و"التحرير من الاحتلال"، برعاية من الجانبين الكردي والأميركي.
ترتكز الدعوة الجديدة للإقليم السني على متغيرين خطيرين، تشهدهما الساحة السياسية العراقية: الأول، يتمثل في الحرب الدولية ضد ما يسمى تنظيم الدولة "داعش" الإرهابي، الذي يسيطر على نحو ثلثي أراضي العراق. المتغير الثاني، هو الحضن الأميركي الدافئ للعشائر والقوى السياسية في المناطق الغربية، والتي تقدم الدعم اللازم لها، للمضي في هذه الخطوة التقسيمية.
ولا شك في أن الحرب ضد "داعش" الإرهابي باتت مسوغاً ومبرراً لتنامي مثل هذه الدعوات في المناطق الغربية، بل وفي المناطق الجنوبية من البلاد، مثل الدعوة إلى إقليم البصرة، ورفع علم خاص بها فوق المؤسسات الحكومية.
دفعت الحرب ضد التنظيم الإرهابي عدداً كبيراً من الكتل السياسية وعلماء الدين في المناطق الغربية، إلى طرح معادلة "التقسيم"، وهي في غاية الخطورة، حيث إن المساعدة في إخراج التنظيم الإرهابي من الموصل وباقي المناطق التي يسيطر عليها في صلاح الدين والأنبار، يجب أن يقابلها الحصول على مكاسب سياسية واقتصادية، تتمحور جميعها في "الإقليم السني"، فيما يذهب بعضهم إلى المطالبة بـ"الدولة السنية". 
والواضح أن الأخوين: أسامة وأثيل النجيفي، ومعهما شخصيات سياسية عديدة، يتبنون، صراحة، إقامة دولة "سنية"، مفصولة تماماً عن الدولة العراقية، الأمر الذي تبناه سابقا رافع العيساوي، وكذلك طارق الهاشمي. فقد طالب أثيل النجيفي، قبل أشهر، بتشكيل "إقليم" للسنة، لإدارة مناطقهم بأنفسهم، وبصورة منفصلة عن الحكومة المركزية في بغداد.
وبالتزامن، جاء الاحتضان الأميركي رؤساء عشائر وقوى سياسية في المناطق الغربية، ليزيد من واقع التقسيم في البلاد، ويضفي على المشهد العراقي مزيداً من التشظي، خصوصاً بعد فتح الإدارة الأميركية أبواب مستودعات السلاح أمام العشائر والقوى السياسية في المناطق الغربية، التي وجدت في تلك الخطوة محفزا قويا للمضي في مشروع الإقليم السني.
ولا شك في أن الولايات المتحدة الأميركية عازمة، من خلال تسليح "المنظومات السنية" من أجل الدفاع عن "مناطق السنة"، على إيجاد حالة عراقية داخلية، هي أقرب لكانتونات صغيرة مستقلة بذاتها، ومنفصلة عن كيان الدولة المركزية، تمهيداً لفصلها، بشكل كلي، لاحقاً في عملية قيصرية. وهو ما سمعه صراحة شيوخ العشائر والسياسيون العراقيون الذين زاروا الولايات المتحدة الأميركية، أخيراً، من نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، المخطط والمشرف على تنفيذ المخطط التقسيمي في العراق.
ما يجري العمل على ترسيخه، اليوم، من دعوات ومؤتمرات ودعم أميركي، سيكون القنبلة الكبرى التي سيتم تفجيرها في وجه حكومة رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، والتي ستكون المسمار الأخير في نعش الدولة العراقية الواحدة.

avata
avata
علي شربة (العراق)
علي شربة (العراق)