"إبادة": طموح فلسفي وضعف سردي

"إبادة": طموح فلسفي وضعف سردي

27 ابريل 2018
من "إبادة" لألكس غارلاند (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
قبل 4 أعوام، أبهر المخرج والسيناريست البريطاني ألكس غارلاند (1970) العالم بفيلمه Ex Machina، المنتمي إلى سينما الخيال العلمي، الذي تدور أحداثه في مكان واحد، مع 3 ممثلين فقط. لم تمنعه ميزانيته المحدودة جدًا (15 مليون دولار أميركي، محقِّقًا إيرادات دولية بلغت 36 مليونًا و869 ألفًا و414 دولاراً أميركياً) من الفوز بجائزة "أوسكار" أفضل مؤثّرات بصرية (مارك ويليامز أردنغتون وساره بينّيت وبول نورّيس وأندرو وايتهورست)، أمام أفلام كلّفت أضعاف ميزانيته. لذلك، كانت الحماسة كبيرة إزاء فيلمه التالي كمخرج "إبادة" (Annihilation، 2018)، الذي أنتجته المنصّة الأميركية "نتفليكس"، علمًا أنه مقتبس عن رواية بالعنوان نفسه للكاتب الأميركي جِفْ فاندرمير، (1968) فازت ـ عام صدور طبعتها الأميركية الأصلية (2014) ـ بجائزة "نيبولا" (أهم جائزة لأدب الخيال العلمي والفانتازيا)، وامْتُدِحَ فيها العالم الجديد والمفاجئ الذي تقدّمه.

يبدأ الفيلم بتحقيق مع لينا (ناتالي بورتمان)، تستعيد فيه الأحداث الغريبة التي بدأت مع عودة زوجها كاين (أوسكار آيزاك)، بعد اختفائه عامًا كاملاً. ليلة عودته، كانت تصرّفاته تشي بأنه "شخص مختلف"، قبل أن يُغمى عليه. أثناء نقله إلى المستشفى، يخطفه فريق علمي، يُخبر لينا أن زوجها دخل مكانًا غريبًا يُسمّى "الوميض"، أقرب ما يكون إلى الفقاعة التي تعكس عددًا كبيرًا من الألوان، يتمركز في بقعة جغرافية آخذة في التمدّد. أضاف الفريق العلمي أنّ كلّ من دخل تلك البقعة اختفى، باستثناء كاين، وأن مهمّتهم الحالية، التي تقوم بها 4 نساء، تقتضي دخول تلك المنطقة، ومحاولة اكتشاف ماهيتها.

كفيلمه السابق، ينطلق ألكس غارلاند من "نظرية"، أو الانشغال بفكرة معينة، وتحريك المشروع السينمائي على أساسها، كالذكاء الاصطناعي وقدرته على توليد مشاعر (Ex Machina). في "إبادة"، يبدو متأثّرًا بأفكار فريدريك نيتشه (1844 ـ 1900)، حيث يسائل فكرة التطوّر، وسعي الإنسان الحالي، في القرن الـ21 بعد الميلاد، إلى إيجاد نسخة "أرقى" وأكثر تطوّرًا من ذاته. يرى غارلاند أن هذا السعي لن يُنتِج فقط نسخًا أخرى منقطعة الصلة عما كنّا عليه، كعودة كاين إلى زوجته شخصًا مختلفًا لا تعرفه، لكن في أحيانٍ كثيرة سيؤدّي إلى دمارنا الكلّي، وربما إلى فنائنا.

لكن ألكس غارلاند، على عكس فيلمه الأول، لا يستطيع خلق قالب سردي متماسك، أو شخصيات يهتم المُشاهد بأمرها، لتقديم تلك الأفكار الفلسفية والنظرية. فهو هنا يبدو، أحيانًا، كأنه يجرّد فيلمه من كلّ عوامل الإثارة المحتملة، حتى أنه لا يعتبره اقتباسًا مباشرًا من الرواية الناجحة، بقدر ما يستلهم منها، ويقلّل من "عمق" القصّة إلى الحدّ الأدنى، ويجعلها ـ في صورتها الأساسية ـ قصة "اكتشاف وغموض" بسيطة جدًا، شاهدنا مثلها مرارًا، عن الكائنات الغريبة ورحلة الاستكشاف التي ستؤثّر على مصير الكوكب.

ربما يهدف غارلاند إلى عدم الانشغال بالحكاية، وإلى أن "يُفكّر" المُشاهِدُ في ما يراه ويتفاعل معه عقليًا، وأن يأتي الأثر عن طريق التجربة البصرية والسمعية التي يخلقها في فيلمه، وهو مميّز فعليًا في هذا الجانب، خصوصًا مع شريط الصوت الرائع. المشكلة كامنةٌ في أن هذا حاصلٌ من دون تفسير أو إثارة أو تصاعد حقيقي للأحداث. فالصُور المعروضة على الشاشة تتحوّل إلى تتابع بصري سوريالي نفقد الاهتمام به بعد فترة، مع أنّ كل جزء منه يُمكن أن يكون "جيّدًا" بمفرده، من دون أن يصنع تتاليها "فيلمًا جيدًا".

الأسوأ هو التسطيح الشديد الذي تعامل به غارلاند مع كلّ شخصيات الفيلم بلا استثناء. نساء تعاني كلّ واحدة منهنّ مأساة خاصة بها، من دون أن يمسّ ذلك المُشاهد بشكل حقيقي، أو يؤثر في مجرى الأحداث، إلا من خلال الجانب "النظري" المتعلّق بالحياة في مقابل الموت، والنسخة الأخرى التي يمكن أن تتولّد من أصلنا المحطّم.

لكن، هل هذا وحده كافٍ لصنع شخصيات حقيقية؟ لا يحدث هذا في الفيلم، وهو ما يؤثّر في أداء كلّ ممثلاته، اللواتي يظهرن في أداءات مقيَّدة للغاية، بمن فيهنّ ناتالي بورتمان، التي تجتهد كثيرًا وتنفعل كثيرًا، فيظهر ذلك مفتعلاً جدًا وسط تسطيح القصة والشخصية.

المساهمون