"أنا أيضاً"... وهُم كذلك

"أنا أيضاً"... وهُم كذلك

05 أكتوبر 2018
من يشار إليه بأنه متحرش ينهار عالمه (فرانس برس)
+ الخط -
شهد المتابع العربي على صفحات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة تداولاً غير مسبوق لأخبار عن مشاهيرهم المفضلين من هوليوود. جاءت العناوين: "بيل كوسبي مغتصب"، "جوني ديب يعتدي على صديقته"، "هارفي وينستين (منتج أفلام) اغتصب وتحرش بعشرات من النجمات". وجود هذه الأخبار ليس بالشيء الجديد. على مدى سنوات يجري الحديث عن انتهاكات الرجال للنساء في مجال العمل أو في البيت أو في الشارع. وكثير من هذه القصص كانت تتمحور حول أشخاص نعتبرهم أبطالاً، ولكن كان ينظر إليها على أنها مجرد إشاعات مغرضة أو "حكي نسوان"، بغرض تشويه سمعة الرجل العظيم صاحب السمعة الطيبة والقوة والموهبة. 
من يصدّق أن مارلون براندو، وهو لا يزال محتفى به في أوساط الثقافة والسينما، قد قام باغتصاب الممثلة ماريا شنايدر من أجل أن يبدو المشهد واقعياً في فيلم "Last tango in Paris) "1972). كانت الممثلة ماريا شنايدر في صدمة وصمتٍ لمدة سنوات، حتى خرجت منهما منذ سنتين. لم تتكلم ربما لأن مارلون براندو ممثل كبير ومهم، من يصدقها؟ وإن صدقوها هل تمحى لحظات الألم والضعف التي أحست بها من قبل المخرج والممثل الذي اغتصبها بقطعة من الزبدة؟
بدأت حركة MeToo# بالظهور في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، وظهر معها خطاب جديد، يعطي لضحايا التحرش والعنف الجنسي الفرصة للبوح بتفاصيل هذه الحوادث، ويعطي مستخدمي الإنترنت الشعور بالتضامن والقوة: "كلنا ضحايا"، على الرغم من طبيعة الإنترنت التي توحي بأننا جميعاً، سكان هذا العالم، متساوون في حقنا بالتعبير، والبوح، وبأن نكون ضحايا اعتداءات جنسية. اختلف التأثير والتفاعل مع هذه الحركة من مكان لآخر في العالم. قد تهددني عائلتي البعيدة بالقتل إن قمت بكتابة تجربتي الآن على صفحتي، أو قد يزوجونني لمغتصبي ويتم طردي من البيت، والشاب الذي يعجبني سيتوقف عن محادثتي، سينهار عالمي. ربما لهذا يشعر من يقوم بالاعتراف بكونه ضحية بالقوة، عندما لا ينهار عالمه معه.
لكن ماذا يحدث بعد النجاح بالاعتراف والبوح بكوننا ضحايا؟ هل يتغير العالم فعلاً؟ نعم إنه يتغير ولكن ليس بالشكل المطلوب. النظام القضائي الأميركي (المسرح الرئيسي لحركة Me too) يعاني قصوراً في التعاطي مع الضحايا و"المجرمين"؛ فمن يدخل السجن أو يشار إليه بأنه متحرش جنسي أو مغتصب ينهار عالمه بالكامل، يخسر وظيفته وسمعته وأهله، ويفقد الحق في أن يعاد تأهيله ليصبح إنساناً. هل يكفي أن نقول "أنا أيضاً" من دون أن نعالج مشكلة في الأنظمة السياسية والاجتماعية من حولنا؟ هل يكفي اعتراف الفرد بكونه ضحية لإعطائه القوة لإنهاء هذا العنف على غيره من الناس؟ أغلب المعتدين جنسياً، هم بالأصل ضحايا اعتداءات جنسية. وأغلب المعتدين جنسياً، يملكون سلطة ومفاهيم مجتمعية تبرر لهم عنفهم هذا.

العنف الجنسي جزء من تاريخنا البشري والاجتماعي. استخدم كأداة للقمع في الحروب، ولا يزال يستخدم في السجون السياسية، والبلاد المستعمرة، ومكاتب العمل، والشارع، والنادي الليلي، والمنزل. آسيا أرجينتو، رائدة حركة "أنا أيضاً"، وإحدى الممثلات اللواتي بُحن بأفعال هارفي وينستين ضدها، مارست الجنس مع قاصر، وهي الآن تنتظر حكم العالم عليها. تمنت في محادثة خاصة أن تذهب إلى أفريقيا أو دولة عربية؛ فحسب رأيها "لا أحد يهتم بهذه التفاصيل". الاحتفاء بحركة "أنا أيضاً" لا يكفي؛ علينا الذهاب أبعد من خطاب الاعتراف البالي، لعلنا نفهم الضحايا والمجرمين أيضاً، حتى المجرم في نظر مجتمعه، كآسيا، يحق له القول "أنا أيضاً".

دلالات

المساهمون