الحقيقة أنّه لا توجد أدلّةٌ كافيةٌ على موتك/لأنه لا توجد أدلّة كافيّة على حياتِك/تقول إن كلامي يرعبُك؟/وإن صَمَمي هو الدّليل على موتِك؟/تقول إنّك ميّتٌ /لكن قلبَك حيّ وصوتَك حيّ وموتَك حيّ؟/وإنّك بريء؟/ولا شيء غير الحبّ والحرب/يمكنه أن يكسِرَ قلبَك؟
في انتظارِ الحَرب المستمِرّة منذ أكثر من مئة عام، أُكَدِّسُ الهواءَ في رئتيّ والبُكاءَ في عُروقي. في انتظارِ الحَرب المستمِرّة منذ أكثر من مئة عام، أختارُ كتباً للقراءة، إذ تؤلمني فكرَةُ الموت دون أن أسمَعَ الحياةَ تقولُ كَلِمَتَها الأخيرة.
من المُستَحسَ، لو كان الأمرُ بيَدِكَ، أن تنسى كلَّ ما تعرِفُه عن النِّسيان/ اخترْ وضعيّةً صحّيةً ملائمةً لقلبِك عند العزْف/ لا تنظرْ إلى أصابعك: قد يبهِرُكَ سوءُ التّفاهِمِ بين العَتمَةِ والنُّجوم.
أسمع صوتَه الآن وهو يشحذُ منقارَه على مِسَنِّ الغروب/الغروب ذاته الذي باغت النورس بطعنةٍ في ذيله الطويل وهو في طريقه إلى سمائِه المائيّة /فأوى إلى السُّفن المهجورة في خليج حيفا/ أنا أيضاً أذهبُ أحياناً إلى هُناك لألتقي بالفتى الذي كنتُه.
أرسم بيتاً للريح وصندوقاً خشبيّاً لألعابِها وأجنحتِها المستعملة/ودمعاً رقراقاً لكي ترى جيّداً في العتمة، ولكي تتعرّف على وجه من تحبّ/ أنت أيضاً ترسم؟/ أنا لا أرسم، أنا أكتب الشّعر فقط/ لماذا تكتب الشِّعر؟/ لأُضيّع بيتي، ولأرى جيّداً في العتمة.
لا يمكن قراءة رواية "الزمن الحسّي" للكاتب الإيطالي جورجو فاستا (1970) من دون أن نفكّر في الاحتلال الذي يتوحّش في فلسطين، وفي الفاشية التي تصعد واثقةً إلى الحكم في غير مكان من العالم.
في الربيع التالي كنتُ أخوضُ مع رجال العائلة في متاهة رخاميّة/ وأحفر في الأرض ظلّاً حجرياً لنارِه العائدة إلى موقدِها/ حفرتُ بمعولٍ كمن يصنع سريراً لجذورٍ تعبت من المشي في الهواء وتريد أن تنام/ أو كمن يكيد مكيدةً من الصقيع لجنديّ الغياب.
شيّدَهُ الأتراك قبل الحرب العالميّة الأولى وصَمَد حربيْن عالميّتين وانتداباً بريطانيّاً في فلسطين، قبل أن يُخطَفَ عام 1948 "مكتباً" للحاكم العسكري الإسرائيلي. انتهى الحكم العسكري المُعلن، في حين لم يفارق المكان مفارقته الساخرة: مدرسة "المكتب".