الطريف في شأن التحقيقات التي كانت تُجريها الصحف عن موعد التخلّص من الكتاب، هو أن ذلك الموعد لم يأتِ أبداً، بينما راحت تختفي النسخ الورقية التي كانت تُجري التحقيقات ذاتها.
وسوف نجد في في أماكن وأزمان مختلفة، من لا يعترض وحسب، بل يسجّل موقفاً عنيفاً من الأدب بذريعة خيانته للحياة. منهم من يُطالب بمصادرة الكتب أو الأفلام، ومنهم من يحلّل دم الكُتّاب، أو يسفك دماءهم، ومنهم من يتظاهر في الشارع معلناً الحرب على الكتّاب.
يستنتج قارئ "المَلك هو المَلك" لسعد الله ونوس أنّ الاستبداد يبدو متأصلاً في النفس البشرية، وليس وليد الظرف أو التجربة، أي تجربة الحكم، كما أنّ المسرحية تذهب أبعد من ذلك في شأن الفساد الناجم عن السلطة.
إن قادة الدول التي سميت اشتراكية - وهُم النموذج - قد انتهكوا الاشتراكية في الحلم وفي التطبيق، بقدر ما حطّموا الأمل لدى من اعتقدوا أن الإنسانية تسيرُ نحو تحقيق آمالها. لقد كانوا أسوأ مثال في التاريخ على إهدار الحلم.
لم يَظهر بعدُ في الرواية العربية منطقُ المعلِّم البنائي في الأشكال، أو الموضوعات، الذي يجترح اقتراحات تقنية تغني عالم الرواية، وتضيف إلى تراثها حلولاً ممكنة، بعيداً عن أشكال الكتابة السائدة.
يُسكتُ الروائيون المدافع والبنادق، كي يسجّلوا مصير البشر. وهو ما يفعله أوغستو روا باستوس هنا، حيث يعيد كتابة تاريخ بلاده بالدم، أو بالحِبر المغموس بدماء الرجال والنساء والشبّان والبنات الذين أُرغموا على خوض الحرب.
الرواية العربية متّهمة اليوم بأنّها تكاد لا تصلح للقراءة. وقد "أثمرت" جهود الهجاء هذه في سوق القراءة. حيث لا تطبع من الروايات أكثر من ألف نسخة لأكثر من 400 مليون عربي، نفترض أنّ من بينهم ملايين القرّاء، ومع ذلك فإنّ الألف نسخة لا تنفد.
الملاحظ هو أن الموتورين والمتشدّدين في الجانب المعني بحرية الرد يستغلّون هذا الحق الإنساني بطريقة شرسة وعنيفة، لا تُعنى بالحوار، بل بحرّية حدّ السيف، أو حرّية المسدّس كاتم الصوت، والتي تعني تنفيذاً حقيقياً لتصفيات جسدية تُطاوِل حياة أصحاب الفكر الحر.
لماذا يحطّم الروائي الشكلَ الروائي؟ الحقيقة أن الحاجة إلى المعنى هي التي تستلزم تجاوز الشكل السائد. إذ لا يمكن للروائي السيطرة على المعنى الجديد دون شكل ملائم يقدم لنا اقتراحات لم تكن موجودة من قبل، أي من قبل أن يتمّ تحطيم السائد الذي يتّسم بالجمود.
الثابت أن عدداً كبيراً من المثقّفين العرب كانوا يصدّقون الشعارات التي تُطلقها الأنظمة العربية. لقد صدّقوا أنها بصدَد بناء الاشتراكية، وصدّقوا أن بوسع الجيوش العربية هزيمة إسرائيل، وكتبوا ما يُثبت تلك المزاعم، وهم الذين يناقش العظم أفكارَهم في كتابه.