Skip to main content
"تجاوز داروين": إحراج الأكاديميا الطبية مجدّداً
العربي الجديد ــ باريس
غرافيتي لـ ديدييه راوولت

ليس ما قبل كورونا كما بعدها للطبيب الفرنسي ديدييه راوولت. صحيح أنه كان أحد أشهر الأطباء ولكن الأمر لا يتعدّى المتخصّصين ومن يتقاطعون معه في مدينته مرسيليا. غير أن شهرة راوولت طبّقت الآفاق فجأة بعد الجائحة، وذلك بسبب النسبة العالية من حالات المصابين بكوفيد-19 التي استطاع علاجها (البعض يتحدّث عن نسبة 90%) بمواد طبية متوفرة مثل الكلوروكين.

طرح راوولت وسائله العلاجية على مستوى جماهيري غير أنه جوبه بنقد من فضاء الطب الأكاديمي بأن ما أنجزه لا يمكن تعميمه كلقاح يحسم القضاء على كورونا، ما جعل من راوولت وسط جدل صاخب دام لأشهر عن دور الطبيب في عالم اليوم، والأدوار التي تلعبها المؤسسات الأكاديمية الطبية وشركات إنتاج الأدوية والدولة.

الصورة

خرج راوولت من كل ذلك كأحد أشهر أسماء جائحة كورونا، وهاهو يأخذ موقعاً جديداً مع تتالي صدور مؤلّفات له، وهو ما يعني استثمار دور النشر في شعبيته، وربما قبل ذلك في الثقة التي تربطه اليوم بالفرنسيين.

مؤخراً، صدر للطبيب الفرنسي كتاب بعنوان "تجاوز داروين" عن منشورات "بلون"، وقبله بفترة قليلة صدر له كتاب أثار ضجّة وحقق أرقام مبيعات هامة، وقد حمل عنوان "الأوبئة: أخطار حقيقة وأجراس إنذار وهمية".

في الحقيقة، ليس راوولت بطارئ على الكتاب، فقد صدرت له من قبل أعمال مثل: "أن نذهب للعلاج بدل التكهّنات" و"الحقيقة حول اللقاحات" و"أخطار العدوى الجديد" وهي أعمال من تلك التي يقترحها الناشرون على المتخصّصين أكثر من كونها أعمال تأليفية. 

في "تجاوز داروين"، يظهر جانب فكري لدى راوولت حيث أنه يتناول مجال اختصاصه في دراسة الأمراض المعدية ليقدّم قراءة نقدية في مسلمات كثيرة منها نظرية التطوّر الداروينية التي يرى أنها لم تأخذ في الاعتبار إلا ظواهر شكلانية، مثل دوافع الغريزة والتأقلم مع البيئة. يرى راووت هنا أن داروين لم يكن مؤهلاً لفهم أدوار أخرى تلعبها عوامل مختلفة ومنها العناصر المجهرية مثل الميكروبات والبكتريا وحتى الفيروسات، وهي عناصر يصل أثرها إلى الجينات وبالتالي تمرّر معطيات وراثية إلى الأجيال اللاحقة، وبالتالي تتدخّل في "التطوّر".

هكذا، وبعد أن هزّ منظومة الأكاديميا الطبية بطرقه العلاجية المبتكرة، يبدو راوولت كأنه يعمل على هزّها في مناطق أخرى، ولعلّ أخطرها المنطقة التي يقتحمها في هذا العمل، حيث أن النزعة الابتكارية للطبيب الفرنسي تلامس اليوم الأسس، ليس أسس الطب وحده بل العلم بشكل أشمل.